... والعجب أني لم أقف في كلام من ترجمه على القصة المقدمة، وقد اتفق بعد الأربعمائة من الهجرة ما يقرب منها وهو ما حكاه ابن النجار في تاريخ بغداد بسنده المتصل أن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر وزين له ذلك وقال: متى تم ذلك شد الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر وكانت منقبة لساكنها فاجتهد الحاكم في مده وبنى بمصر حايرا وأنفق عليه مالا جزيلا وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف فلما وصل المدينة الشريفة وجلس بها حضر جماعة المدينتين وقد علموا ما جاء فيه وحضر معهم قاري يعرف بالزلباني فقرأ في المجلس: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين). فماج الناس وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند وما منعهم من السرعة إلى ذلك أن البلاد كانت لهم ولما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم: الله أحق أن نخشى والله لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه كيف نهض في مثل هذه المخزية فما انصرف نهار ذلك اليوم حتى أرسل الله ريحا كادت الأرض تزلزل من قوتها حتى دحرجت الإبل بأقتابها والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض وهلك أكثرها وخلق من الناس فانشرح صدر أبي الفتوح وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره.
...وقد قال العلامة القونوي بعد ما قدمنا عنه: ولا ينبغي أن يظن انقطاع التفاتهم إلى قبورهم بالكلية ولا انقطاع التعلق بينها وبينهم بدليل استحباب زيارتها في عامة الأوقات وما ذاك إلا أن بينها وبينهم علاقة مستمرة غير منقطعة فلها بهم اختصاص خاص الله أعلم بكيفيته وكذلك قبور سائر المؤمنين بينها وبين أرواحهم نسبة خاصة مستمرة فرفعوا بها في نزول قبورهم ويردون السلام على من سلم عليهم ثم أورد أحاديثا كثيرة في الدلالة على ذلك ثم قال: وكل ذلك يدل على أن الأموات يسمعون والسمع من الأعراض المشروطة بالحياة فهم أحياء إلا أن حياتهم دون حياة الشهداء. انتهى
صفحه ۱۳۲