[22_2]
أن يؤلف ألفاظا مسجوعة ويأتي بها في كلامه؛ بل ينبغي أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حادة طنانة رناناة لا غثة ولا باردة وأعني بقولي غثة باردة أن صاحبها يصرف نظره إلى السجع نفسه، من غير نظر إلى مفردات الألفاظ المسجوعة، وما يشترط لها من الحسن، ولا إلى تركيبها، وما يشترط له من الحسن، وهو في الذي يأتي به من الألفاظ المسجوعة كمن ينقش أثوابا من الكرسف، أو ينظم عقدا من الخزف الملون؛ وهذا مقام تزل عنه الأقدام، ولا يستطيعه إلا الواحد من أرباب الفن بعد الواحد، ومن أجل ذلك كان أربابه قليلا، فإذا صفى الكلام المسجوع من الغثاثة والبرودة فإن وراء ذلك مطلوبا آخر، وهو أن يكون اللفظ فيه تابعا للمعنى، لا أن يكون المعنى فيه تابعا للفظ، فإنه يجئ عند ذلك كظاهر مموه على باطن مشوه، ويكون مثله كغمد من ذهب على نصل من خشب أهم ويقول عبد القاهر، وهو أبلغ من كتب في البيان بعد الجاحظ: العلماء يذمون من يحمله السجع والتجنيس على أن يضم لهما المعنى، ويدخل الخلل عليه من أجلهما، وعلى أن يتعسف في الاستعارة بسببهما، ويركب الوعورة، ويسلك المسلوك المجهولة؛ ولا بأس بأن يزاد على قوله إن أكثر من سجعوا أطالوا وأضاعوا المعاني، ولو تهيأ لكل ما كتبوا من يجري عليه قلم الحذف والإثبات لذهب نصف ما سطروه، ولكان الباقي سليما من التزيد، الفضول في تضاعيفه، ولا حشو في حواشيه، اخذ من البلاغة والفصاحة حظا عظيما.
والبلاغة كما قال ابن ليست ألفاظا ولا معاني، بل هي ألفاظ يعبر بها عن معان، ولكن ليس كما انفق ولا كيفما وقع، لأن ذلك لو جرى هذا المجرى لكان اكثر الناس بليغا، إذ كان أكثرهم يؤدي عن المعاني التي يولدها بألفاظ تدل عليها، لكنهم يخرجون من طريق البلاغة، ومنهاج الكتابة من وجهين: أحدهما أن تكون الألفاظ مستكرهة مستوخمة، غير مرصوفة ولا منتظمة. والثاني أن تكون كثيرة يغني
صفحه ۲۲