[23_2]
عنها بعضها؛ ويمكن أن يعبر عن المعنى الدال عليها بأقل منها.
وبعد أن أوصى بالإيجاز قال: وهذا مذهب العرب وعادتهم في العبارة فإنهم يشيرون إلى المعاني بأوحى إشارة، ويستحبون أن تكون الألفاظ أقل من المعاني في المقدار والكثرة. وذكر ابن أبى الإصبع أن المتقدمين كانوا لا يحفلون بالسجع جملة، ولا يقصدونه بتة إلا ما أتت به الفصاحة في أثناء الكلام، واتفق على غير قصد ولا اكتساب، وإن كانت كلماتهم متوازنة، وألفاظهم متناسبة، ومعانيهم ناصعة، وعباراتهم رائقة، وفصولهم متقابلة؛ وتلك طريقة الإمام علي ومن اقتفى أثره من فرسان الكلام، كابن المقفع، وسهل بن هرون، وأبي عثمان الجاحظ، وغير هؤلاء من الفصحاء والبلغاء.
قلنا إن كتابة المسجعين لو خلت من هذا التكليف السمج لنالت قسطا من البلاغة، وفي يقيننا أن ابن بطلان وابن جبير وعبد اللطيف البغدادي أرقى كعبا في البلاغة، بما وصفوه من البلدان والسكان، ومن القاضي الفاضل والعماد الكاتب وابن الصيرفي، فإن الثلاثة الأولين أدوا المعاني الجليلة في الألفاظ القليلة والآخرين على تمكنهم من نواصي اللغة تكلفوا الأسجاع فأضاعوا من مكانتهم. وكان ابن القفطي وابن أبي أصيبعة وابن خلكان وابن العديم وابن الطقطقي والنويري إذا تخلوا عن السجع كل الإجادة. وكذلك يقال في كتاب أهل القرن الثامن والتاسع أمثال ابن فضل الله العمري والصلاح الصفدي وابن منظور والمقريزي؛ ومن أعظمهم ابن خلدون ولسان الدين بن الخطيب، وما خطته أناملها شاهد على وجه الدهر بأنهما غريبة عصرهما؛ وكتابة ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية من السهل الممتنع، والتلميذ أجزل من أستاذه بيانا.
وقع هذا الضعف في اللغة باستيلاء الأعاجم على بلاد العرب وغيرهما؛ وكانت دواوين الرسائل في العواصم من قبل، مدارس لتخريج الكتاب في البلاغة حتى
صفحه ۲۳