[21_2]
وسلكوا طريقهما، فأما ولسنا واجدين فيما بين أيدينا من كلامهم استعمال السجع والغريب إلا في المواضع اليسيرة، فهم أولى بأن يقتدي بهم ويتحذى بمنهاجهم.
وبأدنى نظر يلمح الناقد البصير أن علماء البيان، وإن كانوا يجنحون إلى تفضيل المرسل، جمجموا في حكمهم على السجع ولم يبينوا، لأن السجع في عصورهم أصبح زيا من أزياء البلاغة وله أنصار غير عليه: فما جوزوا لأنفسهم أن يثلموه، وراعوا العرف اضطرارا فحادوا بذلك عن الجادة. يقول العسكري: واعلم أن الذي يلزمك في تأليف الرسائل والخطب هو أن تجعلها مزدوجة فقط ولا يلزمك فيها السجع، فإن جعلتها مسجوعة كان أحسن ما لم يكن في سجعك استكراه وتنافر وتعقيد، وكثير ما يقع ذلك في السجع، وقلما يسلم إذا طال من استكراه وتنافر. وقال ابن سنان: وبعض الناس يذهب إلى كراهة السجع وازدواج في الكلام، وبعضهم يستحسنه ويقصده كثيرا، وحجة من يكرهه أنه ربما وقع بتكلف وتعمل واستكراه، فأذهب طلاوة الكلام، وأزال ماءه؛ ووجه من يختاره أنه مناسبة بين الألفاظ يحسنها، ويظهر آثار الصنعة فيها. وأما الفواصل التي في القرآن، فإنهم سموها فواصل ولم يسموها أسجاعا، وفرقوا فقالوا: إن السجع هو الذي يقصد في نفسه، ثم يحمل المعنى عليه؛ والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصورة في أنفسها اه وصرح الرماني برأيه فقال: إن الفواصل بلاغة، والسجع عيب.
واعترف ابن الأثير في المثل السائر، وهو السجاع المنقطع النظير، بأنه لا يجود في فن السجع إلا الأفراد القلائل فقال: واعلم أن الأصل في السجع إنما هو الاعتدال في مقاطع الكلام والاعتدال مطلوب في جميع الأشياء، والنفس تميل إليه بالطبع؛ ومع هذا فليس الوقوف في السجع عند الاعتدال فقط، ولا عند تواطؤ الفواصل على حرف واحد، إذ لو كان ذلك هو المراد من السجع، لكان كل أديب من الأدباء سجاعا، وما من أحد منهم، ولو شد شيئا يسيرا من الأدب إلا ويمكنه
صفحه ۲۱