Elan ، وكانت الفرقة الخامسة الجوية المكونة من الطائرات الصاروخية من نوع فمبير
Vampires
تحلق فوقه وفوق مدينة تونس، وكان الجنود مصطفين على الرصيف وعلى طول الطريق المؤدية إلى قصر الملك بمدينة حمام الأنف، وبمجرد ما رست الباخرة بميناء تونس تعالت صفافير البواخر الراسية كلها، وبعد أن استعرض الجنود المصطفين ذهب لزيارة جلالة الملك بقصر حمام الأنف محفوفا بقوات الفرسان.
وحدثت يوم 14 / 1 / 1952 أكبر مفاجأة للمقيم الجديد والحكومة الفرنسية نفسها التي ظنت أن أعمالها بتونس لن تفضح وأن اعتداءها عليها سيبقى في الدائرة الفرنسية لا يتعداها، وإذا بالوزارة التونسية ترسل وزيرين من أعضائها هما الأستاذ صالح بن يوسف وزير العدل والأستاذ محمد بدرة وزير الشئون الاجتماعية، فيتقدمان في ذلك اليوم إلى هيئة الأمم المتحدة لتكون حكما في الخلاف بين تونس وفرنسا، ففقد الفرنسيون أعصابهم، وظهرت طبيعة «دي هوتكلوك» الهوجاء، فعبر لجلالة الملك «أثناء زيارته له يوم الثلاثاء 15 / 1 / 1952 عن عزمه على استخدام الشدة ضد حركة الدستور الجديد، وضغط عليه لإقالة وزارة محمد شنيق وإرجاع الوزراء من باريس وسحب الشكوى من هيئة الأمم، وقد استعمل في أثناء حديثه عبارات جافة لا تليق بالمقام.»
5
وسعت الحكومة الفرنسية وممثلها بتونس في أن تسقط الدعوى لدى هيئة الأمم المتحدة بجميع الوسائل، وقد ثارت ثائرة الحكومة الفرنسية والجالية الفرنسية بتونس، وعدوا ذلك العمل ماسا بناموس فرنسا وكرامتها؛ فكيف يتجاسر العبد المقهور والبلاد التي تعد ملكا لغيرها على رفع رأسها؟! وكيف يجرؤ الخادم على سيده؟! وتوالت التصريحات الرسمية وشبه الرسمية تحمل في طياتها التناقض والحيرة وتلجأ إلى الحجج السفسطائية فتقول تارة: «إن الدستور التونسي قد أبقى السلطات كلها بصفة قطعية في يد الباي، وما الحكومة التونسية إلا مجرد مؤسسة إدارية ... وإن سلمنا جدلا أن في إمكان تلك الحكومة أن تتخذ مثل ذلك القرار، فينبغي أن نلاحظ أنها لم تجتمع ولم تبحث تلك العريضة التي قدمت للأمم المتحدة، فكان ينبغي أن تحمل توقيع رئيس الدولة ثم تسلم إلى وزير خارجيته أي المقيم العام الذي له وحده الصفة التي تخوله التقدم بها إلى الأمم المتحدة.»
وعادت الحكومة الفرنسية إلى عادتها في التلاعب بالألفاظ لعلمها أن الوزارة التونسية غير مجلس الوزراء، وأنها مكونة من وزراء تونسيين فقط، وأنها هيئة سياسية قبل كل شيء، فلها الحق في أن تقوم بالأعمال السياسية، ولها الحق في أن تتكلم باسم تونس في الداخل والخارج، ومن ناحية أخرى كيف يعقل أن يقدم ممثل فرنسا شكوى ضد فرنسا، ولا يخطر إلا ببال الفرنسيين أن تقدم فرنسا دعوى على نفسها، ومعنى كلامهم الحقيقي هو أن ترجع تونس في جميع أمورها إلى الحكومة الفرنسية المعتدية عليها.
ونرى السلطات الفرنسية بتونس تدعي أنها تريد حماية شخص الباي من كل تهديد؛ ولكنها في الواقع هي وحدها التي تهدده؛ فتطوق قصره بقوات حربية هائلة لتجبره على الاستسلام وعلى طرد الوزارة التونسية التي ارتكبت ذنبا لا يغتفر في نظر فرنسا، ثم إن المقيم العام أوعز للصحف الفرنسية بتهديد جلالة الملك تهديدا مباشرا بالتلويح والتلميح أول الأمر ثم صراحة، ونقلت جريدة فرانس سوار
France soir
ذلك التهديد بتاريخ 18 / 1 / 1952 قالت: «ما زالت الأوساط الفرنسية الرسمية تؤمل في أن يجيب الباي طلب المقيم العام بروح تسودها الحكمة والاعتدال ... وأن العاصفة التي هبت الآن على العلاقات الفرنسية التونسية يمكن أن تجرف في أعاصيرها حتى أعلى الشخصيات منصبا.»
صفحه نامشخص