وترى تلك الجالية أن المقدمة الحتمية لتلك المشاركة العجيبة قتل الزعماء الوطنيين، وفي طليعتهم بطبيعة الحال «الحبيب بورقيبة» كما قال الجنرال «أوميران» نفسه: «إن تونس كانت تبقى هادئة مزدهرة لو كان بورقيبة فرنسيا؛ لأنه إذ ذاك يكون قد وقع رميه بالرصاص في عام 1945 لمشاركته مع العدو.»
فإن القوم لا يردعهم رادع ولا يوقفهم ضمير ولا تلينهم عاطفة ولا تقودهم فكرة، بل يرون في المحافظة على امتيازاتهم الظالمة مبررا لسفك الدماء وقتل الأبرياء واختلاق الأكاذيب وقلب الحقائق، يثيرون بها الرأي العام الفرنسي الغافل عما يجري في المستعمرات، وإلا فالجنرال أوميران وأضرابه يعلمون علم اليقين أن بورقيبة ورفاقه من الوطنيين التونسيين، كلهم كانوا يعارضون الإيطاليين في الاستيلاء على تونس، ويقاومون المحور لأجل ذلك. والحوادث شاهدة والمواقف بينة من خطب وتصريحات وقرارات للحزب الحر الدستوري في هذا الموضوع.
ويعلم الجنرال «أوميران» أيضا أن الوطنيين بتونس لا يخدمون ركاب دولة أجنبية أيا كانت، إنما يعملون لاستقلال وطنهم ليس غير، وتلك هي جريمتهم الحقيقية في نظر الفرنسيين.
ولذلك طالب «كولونا» وكرر الطلب مرارا بالقضاء لا على «بورقيبة» ورفقائه وحدهم، بل على جميع أعضاء الحزب الحر الدستوري الجديد من غير استثناء، فصرح لجريدة «ليموند» بما يلي:
أولم يوجد بتونس حقا حالة ينبغي تطهيرها؟ أوليس من الضروري إرجاع التوازن الطبيعي بين الرجال وبين الأشياء قبل كل شيء؟ أوليس من اللازم التخلص نهائيا من بعض المؤثرات وخصوصا من الثائرين؛ أي من الدستوريين الجدد؟
فينبغي في نظره إذن أن يقتل صبرا مائة ألف من التونسيين، وهو عدد أعضاء الحزب.
ولما رأت الجالية الفرنسية استماتة التونسيين في الدفاع عن حقوقهم وثباتهم في الكفاح مدة أعوام، نادت على لسان جريدتها «تونس فرانس» بوجوب تطهير البلاد التونسية من جميع الوطنيين؛ أي من أغلبية الشعب التونسي الساحقة، فكتبت مقالا بتاريخ 18 / 1 / 1953 قالت فيه بالحرف الواحد:
إن المشوشين نظموا صفوفهم ليزرعوا البغضاء ويهدروا الدماء، فلا تصدعوا آذاننا في هذه الآونة بإصلاحات أو تنازل ... أو معامل الحلفاء أو مصالح.
ولا تستهزئوا بنا بدعوى الاعتبارات السياسية العليا وهيئة الأمم المتحدة، وأمريكا وأوروبا والقمر والملائكة، وورق العملة وورق ... الحلفاء.
إن كان ذلك صحيحا فيما يتعلق بتونس، فهو صحيح أيضا بالنسبة لمراكش.
صفحه نامشخص