الفصل الثالث محنته ووفاته
محنته:
ولا شك أن عالمًا بهذه المثابة من العلم وغزارته، ومن الفكر واستقلاله، وما نتج عن ذلك من المؤلفات الكثيرة التي اعترف العلماء المعاصرون له بالعجز عن حصرها، ومن الشجاعة ما جعلته يقف في وجه التتار -كما تقدم- إضافة إلى محاربته أهل الأهواء والبدع في عصره فكان له موقف مع الشيعة الباطنية ممن مالأ التتار والنصارى (١) -كما نصب نفسه لكشف أستار أهل التصوف، الذين اتخذوا الشعوذة سبيلًا للتأثير على العامة، إضافة إلى ممالأتهم للتتار، كما كانت له ﵀ مواقف مع الفقهاء في عصره ممن جرفهم تيار التعصب المذهبي، والجمود الفكري إلى تقليد من سبقهم، فكان كل رأي فقهي أو عقدي له أتباع يتبعونه، ويرون أنَّه الصواب، وما سواه الخطأ، حتَّى ولو ظهر لهم أن الصواب خلافه.
إن عالمًا بهذه الخصال التي يفتقدها معاصروه لا بد وأن يكون له حساد يتربصون به الدوائر، ويحاولون الخلاص منه، فلم تفتر جهودهم ولم تلن عزائمهم في سبيل تحقيق هذه الغاية.
فأول محنة وقعت للشيخ -كما نقلها الثقات- سنة ٦٩٨ هـ، عندما أرسل إليه أهل حماة يسألونه عن الصفات التي وصف الله بها نفسه في القرآن
_________
(١) وقد كتب ﵀ رسالة إلى السلطان الناصر يحذره منهم، ويبين له حقيقة أمرهم وأحوالهم.
وقد أوردها ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" ص: ١٨٢ فما بعدها.
1 / 43