الكريم، فألف الحموية (١) جوابًا لسؤالهم ورجح مذهب السلف على مذهب المتكلمين وشنع عليهم، فجرى له بسبب تأليفها أمور ومحن.
يقول ابن كثير ﵀: ". . . قام عليه جماعة من الفقهاء، وأرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي، فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد مسألة عنها أهل حماة، المسماة بـ "الحموية" فانتصر له الأمير سيف الدين جاغان، وأرسل يطلب الذين قاموا عنده فاختفى كثير منهم، وضرب جماعة ممن نادى على العقيدة، فسكت الباقون، فلما كان يوم الجمعة عمل الشَّيخ تقي الدين الميعاد بالجامع على عادته، وفسر في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (٢)، ثم اجتمع بالقاضي إمام الدين يوم السبت، واجتمع عنده جماعة من الفضلاء، وبحثوا في الحموية وناقشوه في أماكن فيها، فأجاب عنها بما أسكتهم بعد كلام كثير، ثم ذهب الشَّيخ تقي الدين، وقد تمهدت الأمور، وسكنت الأحوال، وكان إمام الدين معتقده حسنًا، ومقصده صالحًا" (٣).
وبعد هذه الحادثة بسبع سنين (٤) -أي في سنة ٧٠٥ هـ - تحرك المناوئون والخصوم للشيخ، فجاء الأمر من مصر بأن يسأل عن معتقده، فجمع له القضاة، والعلماء بمجلس نائب دمشق الأفرم.
_________
(١) يقول مرعي الحنبلي في "الكواكب الدرية" ص: ١١٢:
"ألفها الشَّيخ ﵀ وعمره دون الأربعين سنة ثم انفتح له -بعد ذلك- من الرد على الفلاسفة والجهمية وسائر أهل الأهواء والبدع ما لا يوصف، ولا يعبر عنه، وجرى له من المناظرات العجيبة، والمباحثات الدقيقة -مع أقرانه وغيرهم- في سائر العلوم ما تضيق عنه العبارة، ولا يعرف أنَّه ناظر أحدًا فانقطع معه".
(٢) سورة القلم. الآية ٤.
(٣) البداية والنهاية ١٤/ ٤، ٥.
وانظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: ١٩٥.
والكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: ١٠٢.
(٤) لعل الحروب التي اجتاحت البلاد الشامية من قبل التتار في هذه الفترة شغلت الخصوم عن نفث السموم، وإشعال الفتن ضد الشَّيخ ﵀.
1 / 44