وقرأه، وصاحت فقال لها: «لا عليك، أنا أبعث به إليه يختمه» ثم بعثه إليه فقال: «ما أختمه حتى تعيد البينة مرة أخرى (فرده عليه ثانية ليختمه فأبى»، فقال: «ما أفعل» فلما ولى رسول يزيد أخذ عبد الرحمن خاتمه فكسره وأخذ جلده، وقال: «والله لا أحكم بين اثنين أبدا»، قال: «فولى يزيد بعده ابن الطفيل التجيبى، وكان يسكن فى سوق اليهود فى الدرب المعروف إلى اليوم بابن الطفيل، وكان يركب إلى دار عبد الرحمن بن زياد يشاوره فى أمره، وكان يقرع الباب»، فيقول الخادم: «من أنت؟» فيقول له: «قل لمولاك هذا الذى عزلك» وكان ربما حضره الطعام فيأكل معه ابن الطفيل، ويركب حمارا له حتى يأتى المسجد الجامع، فينزل ويجلس، ويخلى الحمار فينطلق الحمار يريد دار يزيد بن الطفيل بغير قائد ولا سائق، فيأكل ما يلقى فى الأزقة من حشيش وبقل، وهو فى ذلك يمشى حتى يأتى دار ابن الطفيل، فيؤخذ فيدخل، فإذا كان الوقت الذى يعلمون أنه ينصرف، اسرجوا الحمار فيذهب حتى يأتى الجامع فيخرج فيركبه وينصرف.
قال سليمان: ثم عزل يزيد بن حاتم بن الطفيل، وذلك أنه رفع إليه أنه رفع كتبه عند رجل من البرازين، فقال له: «لم فعلت هذا؟»، فقال له: «إنها مختومة وأنا أحفظ ما فيها»، فقال له: «وإن كان، فليس هذا من سير القضاة» وعزله. قال سليمان: وكان سبب وفاة عبد الرحمن بن زياد أنه أكل عند يزيد بن حاتم سمكا وشرب لبنا، وذلك فى الليل ثم انصرف، وكان يحيى الطبيب حاضرا، وكان عبد الرحمن قد جاوز السبعين، فقال يحيى: «إن كان الطب حقا، فإن الشيخ يهلك»، وكان يزيد فى علية له فى دار الإمارة، إذ سمع بكاء فى الليل، فقال: «ينبغى أن يكون هذا البكاء على عبد الرحمن» فكان كذلك، فلج فمات، ووقف يزيد بن حاتم خارجا من باب نافع ينتظر الجنازة فلما أقبلت، ونظر إلى جماعة الناس وكثرتهم وازدحامهم تمثل بهذا البيت:
يا كعب ماراح من قوم ولا ابتكروا
إلا وللموت فى آثارهم حادى
صفحه ۹۶