قال: «ما يدرك المال والشرف إلا فى صحبتك، ولكنى تركت عجوزا وأريد مطالعتها»، وكتب عهده على قضاء القيروان، وقال: «اذهب فقد أذنا لك».
وقال عيسى، ولى عهد المنصور، لعبد الرحمن بن زياد يوما: «ما يمنعك من إتياننا؟» قال: «وما أصنع عندك إن أتيتك، إن أدنيتنى قتلتنى وإن أقصيتنى أخزيتنى، وليس عندك ما أرجوه ولا عندى ما أخافك عليه».
قال أبو عثمان المعافرى: كنت يوما عند عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قاضى إفريقية، وهو يتنفس الصعداء، والكآبة ظاهرة عليه، حتى أتاه شاب معه مخلاة فأسر إليه كلاما فأسفر وجهه وتبسم، وقال لغلامه: «جئنا بالفول الذى طبخوه البارحة لنا»، فجاءه به، فقال: «تقرب»، قال أبو عثمان: فقلت: «لا أفعل» قال: «ولم يا أبا عثمان، أظننت ظنا؟»، قلت له: «نعم»، قال: «أحسب يا أبا عثمان أنك قلت إذا رأيت هذه الهدية دخلت دار القاضى: فاعلم أن الأمانة قد خرجت من كوة داره، وليس هو هدية» قال: فقلت له: «إنى كنت رأيتك مغموما فلما أتاك هذا الطعام انطلقت وأسفر وجهك»، فقال لى: «إنى أصبحت وقد بعد عهدى بالمصائب، فخفت أن أكون قد سقطت من عين الله، فلما أتانى هذا الغلام ذكر لى أن أكفأ عبيدى وأقومهم بضيعتى توفى، فزال عنى الهم والغم واسترحت.
وكان ابن أنعم يقول «لكل شىء آفة تستعبده، وآفة العبادة الرياء، وآفة الحلم الذل، وآفة الحياء الغضب وآفة اللب الإعجاب، وآفة الظرف الصلف، وآفة العلم النيسيان، وآفة الجود السرف».
وأقام عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضيا على إفريقية المرة الثانية إمارة ابن الأشعث والأغلب بن سالم وعمر بن حفص حتى قدم يزيد بن حاتم فأقام مدة ثم انعزل، وكان فيما روى عن سليمان بن عمران قال: كانت امرأة تدخل إلى نساء يزيد بن حاتم، وكان لها خصومة عند عبد الرحمن، فكتب لها كتاب حكم، وختمه، وأعطاها إياه فأخذته ودخلت به إلى دار يزيد بن حاتم، فقال لها: «ما هذا؟» فأعلمته، فأخذه وفض خاتمه
صفحه ۹۵