قال: في أول هذه السنة توجه السلطان ألب أرسلان لقصد بلاد الترك، وقد كملت له أسباب الملك، في أكثر من مائتي ألف فارس، ومد على جيحون 1جسرا، كما خط الكاتب على الطرس سطرا، وكانت مدة عبور العسكر عليه شهرا. وكان قد قصده شمس الملك تكين بن طفقاج، والإقبال قد بلغ الكمال وأوضح المنهاج. وأنه في سادس شهر ربيع الأول، بكر وهو في الصدر الأرحب والباع الأطول والكمال الأبهى والبهاء الأكمل. وهو جالس على سرير سروره، لابس حبير حبوره. وسمطا سماطيه الممدودين من فرائد مفرديه منظومان، والبأس والنائل لأوليائه وأعدائه مقسومان. والعظماء واقفون والموقف عظيم، والكرماء قائمون والمقام كريم، والهيبة مالكة. فحمل إليه أصحابه مستحفظ قلعة يقال له يوسف الخوارزمي، وهو يرسف في قيده، ولم يدر أنه يسرف في كيده-وحمل إلى قرب سريره وهو مع غلامين، وقد شدا بيده اليدين.
فتقدم بأن يضرب له أربعة أوتاد لتشد إليها أطرافه، ويعجل على تلك الهيئة إتلافه. فقال: «مثلي يقتل هذه القتلة ويلقى هذه المثلة». فحمى السلطان واحتد وأخذ قوسه وسهمه، وترك رأيه وحزمه. وأمر بحل رباطه، وأن يخلي عن احتياطه.
وقال للغلامين خلياه، ورما فأخطأه. وكان على تخت، فوثب ونزل، فوقع على وجهه في عثرة، فجاءه يوسف فجاءة وفاجأه بسكين في خاصرته. وكان سعد الدولة كوهرائين واقفا، فجرحه يوسف جراحات ونهض السلطان إلى خيمة أخرى مجروحا.
فأما يوسف الخوارزمي فإنه ضربه فراش أرمني بمرزبة1على أم رأسه، فوفت الضربة بقطع أنفاسه. وأما ألب أرسلان فإنه أحضر وزيره نظام الملك فأوصى به واليه، وعول في كفاية المهمات وكف الملمات عليه، وجعل ولده ملكشاه ولي عهده، وفوض إليه الملك من بعده. وخص ابنه آياز بما كان لأبيه داود ببلخ وعين له خمسمائة ألف دينار، وقال له: اقصد نصرة أخيك. وجعل القلعة بها لملكشاه، وقال له: إن لم يرض فضيق عليه واستعن على قتاله، بما عين له من ماله. ووصى لأخيه قاورد بك بن داود بأعمال فارس وكرمان، وأجرى له بتعيين شيء من المال والإحسان، وانتقل إلى جوار ربه فائزا بالشهادة، حائزا للسعادة. وكان مولده في سنة 434 ه، واستشهد وقد بلغ من العمر أربعين سنة، وملك تسع سنين وشهورا.
صفحه ۲۱۲