وقال: وحكى أنه قال حين حينه، وقد عاين الموت بعينه: ما كنت قط في وجه قصدته، ولا عدو أردته، إلا توكلت على الله في أمري، وطلبت منه نصري، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفت من تل عال، فرأيت عسكري في أجمل حال . فقلت أين من له قدر مصارعتي، وقدرة معارضتي، وإني أصل بهذا العسكر إلى أقصى الصين، فخرجت على منيتي من الكمين.
قال: وكان ألب أرسلان بالبرية بارا، ولم يزل إحسانه عليهم من داره دارا.
وكان يطبخ كل يوم خمسين رأسا من الغنم في مطبخه للفقراء، وذلك سوى الراتب المعين للسماط برسم العسكر والأمراء. وكان إذا أمر ببناء، أو عز بأن يكون أسمى بنيان وأسمقه، وأشرف مكان وأشرقه ويقول: «آثارنا هذه تدل على علو همتنا ووفور نعمتنا» وخلف عدة من البنين، وهم ملكشاه وتكش، وآياز، وتتش، وأرسلان أرغون، وبوري برس.
ذكر جلوس السلطان جلال الدولة أبي الفتح ملكشاه بن ألب أرسلان على سرير الملك
قال: ولما دفن ألب أرسلان عند قبر أبيه بمرو، وأقام ابنه آياز ببلخ، وعاد ملكشاه بالعساكر، وسمع قاورد بوفاة أخيه ألب أرسلان فسار للمري طالبا، وفي الملك راغبا. فسبقه إليها ملكشاه، وأمن ما كان يخشاه. وصار منها قاصدا للقاء قاورد ورده، وفل حده. فالتقوا بقرب همذان، رابع شعبان. وكان عسكر ملكشاه إلى عمه مائلا وبقوله قائلا. فلما تلاطم البحران، والتقى الجمعان، حمل قاورد على ميمنة ملكشاه وجعلها دكا، وأوسعها فتكا. وحمل شرف الدولة مسلم بن قريش وبهاء الدولة منصور بن دبيس ومن معهما من العرب والأكراد على ميمنة قاورد فدكوها وخرقوها. وغاظ أصحاب ملكشاه ما صح من كسر عمه وقالوا: ما عرتنا هذه الأكدار إلا من الأعراب والأكراد، وصدونا بقصدهم عن مراد المراد. فمضى المنهزمون من أصحاب ملكشاه إلى حلل العرب ونهبوها، وشنوا عليها الغارة وسلبوها.
وجاء رجل من أهل القرى إلى ملكشاه وأخبره بأن عمه في قرية بقربه، وقد انفرد عن حزبه. فسار إليه وأخذه، وأمضى فيه حكم بأسه وأنفذه. وتقدم إلى كوهرائين بخنقه وهو يتضرع ويتضور، فخنقه غلام أرمني أعور.
صفحه ۲۱۳