ونفيس من الذخائر لم يؤمن عليه فاستودع الأرض حزنا قال: فرتب في ديوان الزمام أبو القاسم بن فخر الدولة بن جهير، ولقب عميد الرؤساء، واجتاب خلعة الاجتباء. ومدحه أبو الفضل بقصيدته التي أولها:
صبحها الدمع ومساها الأرق كم بين هذين بقاء للحدق
وفي ثاني عشر رجب ورد إلى بغداد أبو العباس الخوافي عميدا، وقدم بخوافي جاهه وقوادمه حميدا. قال: وعزل الوزير فخر الدولة بن جهير ليلة المهرجان في ذي القعدة بالتوقيع الإمامي بمحضر من قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، فسار إلى نور الدولة دبيس وهو بالفلوجة فآواه وأكرم مثواه. وقد كانت الوزارة تقررت لأبي يعلي والد الوزير أبي شجاع، وهو كاتب "هزارسب"بن بنكير فكوتب للزيارة، وخوطب بالوزارة فورد الخبر بمرضه يوم صرف ابن جهير، وبوفاته يوم وصوله إلى الفلوجة كما جرى به قلم التقدير.
وفي سنة 461 ه عول الخليفة في الوزارة على أبي الحسن بن عبد الرحيم، فثار العوام وقالوا: لا طاقة لنا من ظلمة بورود الجحيم، فهو الذي أتى بالبساسيري وأعلن أحداث الليالي، وقالت خاتون: هو الذي نهب مالي. فصرف قبل التصريف، ونكر قبل التعريف. ولم يزل الخليفة فيمن يستوزره يفكر، حتى كاتب نور الدولة الخليفة في معنى ابن جهير، وذكر أنه خير وزير وظهير. فأجاب إلى إعادته إلى عادته.
ووصل في ثاني عشر صفر وجلس له في التاج، ووحد أمله بالنجح مفتوح الرتاج.
وقال له: «الحمد لله جامع الشمل بعد شتاته وواصل الحبل بعد بتاته». وفي تلك النوبة مدحه صردر أبو الفضل بقصيدته التي مطلعها:
قد رجع الحق إلى نصابه وأنت من دون الورى أولى به
وركب هو وولداه في موكب، واجتاز في جميع محال الجانب الغربي ونثر عليه أهل الكرخ أكياس الدراهم والدنانير، وخرج إليه توقيع من إنشاء ابن الموصلايا، وتسنت له المراتب السنايا.
قال: وفي النصف من شعبان هذه السنة احترق جامع دمشق، ففجع الإسلام بمصابه، وصلت النيران في محرابه واشتعل رأس القبة شيبا بما شبت، وأكلت أم الليالي منها ما ربت. وطار النسر بجناح الضرام، وكاد يحترق عليه قلب بيت الله الحرام.
صفحه ۲۰۴