وكأن الجحيم استجارت به فتمسكت بذيله، أو كأن النهار ذكر ثأرا عنده فعطف على ليله .. فواها له من مسجد أحرقته نفحات أنفاس الساجدين، وعلقت فيه لفحات قلوب الواجدين. وقيل: أصابت حسنها العيون، واتهم بذلك الولاة المصريون.
ثم تداركه الله بالألطاف والإطفاء، وأتاه بالشفاء بعد الإشفاء. وقال: حسبه اصطلاء واصطلاما، وحقق فيه قوله: قلنايانار كوني بردا وسلاما.
قال: وفي سنة 462 ه أقبل كلب الروم في جموعه، وأخنى على من بمنبج واجتاحها، واستبى حاميتها واستباحها. وعاد إلى قسطنطينيته وقد ساءت آثاره، والدين قد ثار ثاره. وفي هذه السنة زوج نظام الملك بنته لعميد الدولة أبي منصور محمد بن فخر الدولة الوزير بن جهير، وصارت له مصاهرته خير ظهير. وكان عميد الدولة قد توجه إلى السلطان بالري في رسالة، فتلقى بكرامة وجلالة. واستتمت له هذه المصاهرة، واستتبت المظاهرة. ووصل في رجب، وفي صحبته رسل محمد بن أبي هاشم، وقد كان بعثهم إلى السلطان، وضمن لهم إقامة الخطبة له بمكة، حرسها الله تعالى. وخلع الخليفة على عميد الدولة في بيت النوبة، فرفل في ملابس الاصطناع، وجعل إليه الإنهاء والمطالعة ومراعاة الإقطاع. وقرئ له توقيع من إنشاء ابن الموصلايا تمكن به من افتراع عذرة الارتفاع، وتصدر في الوسادة، وتصدى للسيادة.
وفي هذه السنة توفي تاج الملوك هزار سب بن بنكير بن عياض منصرفا من باب السلطان ألب أرسلان وهو خارج من أصفهان على قصد خوزستان. وكان قد علا أمره وعرض جاهه، وتزوج بأخت السلطان، واستظهر منه بالمكانة والإمكان. وتزوج بعده مسلم بن قريش بأخت السلطان زوجته، وتدرج إلى درجته. وفي هذه السنة ورد أمير الحرمين محمد بن أبي هاشم الحسني إلى بغداد على قصد الوفادة إلى السلطان، فكتب الخليفة معه بعد أن شرفه ورفعه، وعاد في محرم سنة 463 ه من المعسكر السلطاني على باب آمد، وقد استفاد الفوائد، وأفاد المحامد.
ذكر أحوال ألب أرسلان بديار بكر والشام
صفحه ۲۰۵