كذلك كانت هذه الأرض ميتة فأنشرها فضل العميد أبي سعد قال: ووصلت أرسلان خاتون زوجة الخليفة إلى بغداد في مستهل جماد الأول سنة 459 ه، واستقبلها الوزير فخر الدولة على فراسخ، وجلا فجر فخره السافر وطود وقاره الراسخ، ووقفت موكبها له عند القرب من الالتقاء، وخدمها على ظهر فرسه بالدعاء. وأقبلت وقبلت، ودخل وخلت وعادت إلى عادة السعادة، ووافت للزيادة، للإيفاء على الزيادة.
ذكر حوادث طوارئ وطوارق واتفاقات وموافقات
قال: في شهر رمضان سنة 458 ه توفي محمد بن الحسين بن الفراء شيخ الحنابلة، وناهج طريقهم السابلة. وفي هذه السنة استتم بناء المدرسة النظامية ببغداد، وانتظمت أحوالها، وسكنها من حملة الشريعة رجالها. ودرس فيها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، -رحمه الله-، فأحيا من العلم ما درس، وكشف من الحق ما التبس. وشرح الأصول وفرعها، وأوضح الأدلة ونوعها. وفي سنة 460 ه توفي الشيخ عبد الله أبو منصور بن يوسف، وكان من أماثل بغداد وأعيانها، والمرجوع إليه في نوائب الليالي وحدثانها. وكان قد أجمع الناس على صلاحه، واستجادة رأيه واسترجاحه. ومن جملة خيراته، أنه تسلم البيمارستان العضدي وقد استولى عليه الخراب، وناب أوقافه بالنوائب النواب. فعمره وطبقه وأحسن في أحواله ترتيبا، وأقام فيه ثلاثة خزان وثمانية وعشرين طبيبا. قال: ورثاه أبو الفضل صردر بقصيدته التي أولها:
لا قبلنا في ذا المصاب عزاء أحسن الدهر بعده أم أساء
قال: وفي هذه السنة توفي أبو الجوائز الواسطي، وكان شاعر زمانه، وفارس ميدانه. وفي هذه السنة توفي أيضا أبو جعفر الطوسي بمشهد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وكان إمام الشيعة، وهو الذي صنف التفسير، ويسر من أمورهم العسير، وفي جماد الأول من هذه السنة كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت الديار وأتلفتها، وخربت مبانيها ونسفتها. وفيه توفي صاحب ديوان الزمام أبو نصر محمد بن أحمد المعروف بابن جميلة، ورثاه أبو الفضل بقصيدة منها:
إن يكن للحياء ماء فما كان له غير ذلك الوجه مزنا
لهف نفسي على حسام صقيل كيف صارت له الجنادل جفنا
صفحه ۲۰۳