وفى زمان الأمير الرشيد «1» عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل بنى وزيره أحمد بن الحسن العتبى رحمه الله مؤلف كتاب يمينى (تاريخ يمينى) والذى قبره بمحلة باب منصور بجوار حمام الخان أمام المدرسة مسجدا فى غاية الجمال، فاكتسب ذلك الموضع كماله من المسجد. ولما سقط الأمير الموفق «2» عن دابته ومات جاء الغلمان ليلا إلى السراى وأخذوا فى نهبها فقاومهم الخاصة والجوارى وأضرموا النار فى السراى حتى احترقت كلها، وباد كل ما فيها من طرائف ذهبية وفضية بحيث لم يبق أثر من تلك الأبنية. ولما تربع الأمير السديد منصور بن نوح على العرش فى شهر شوال سنة ثلاثمائة وخمسين (961 م) بجوى موليان، أمر أن تعمر هذه القصور مرة أخرى وكل ما سبق أن تلف أو ضاع حصلوا على خير منه، وعندئذ أقام الأمير السديد بالقصر ولم يكد يحول الحول حتى وافت ليلة «سورى» «1» فأوقدوا نارا عظيمة جريا على العادة القديمة فطارت شرارة واشتعل سقف السراى واحترقت كلها مرة أخرى، وذهب الأمير السديد أيضا فى الليل إلى جوى موليان، وأمر الوزير كذلك فأخرج الخزائن والدفائن كلها فى تلك الليلة وأرسلها إلى جوى موليان على يد الثقات. فلما طلع النهار تبينوا أنه لم يغب شى ء سوى فنجان «2» من الذهب، فأمر وزيره بفنجان من خالص ماله كان وزنه سبعمائة مثقال وأرسله إلى الخزانة، ومنذ ذلك الحين بقى ذلك الموضع صحراء وتخرب، ومن ثم صارت سراى الملوك فى جوى موليان. ولم يكن فى بخارى موضع أو منزل أفضل من مقام جوى موليان النفيس الشبيه بالجنة، لأن كل أماكنه قصور وحدائق وخمائل وبساتين وأمواه جارية على الدوام تتلوى فى مروجه، وكانت تتخللها كذلك أنهار تجرى فى ألف اتجاه نحو المروج والرياض وكان كل من يشاهد هذه الأمواه الجارية يحار من أين تأتى وإلى أين تمضى. وقد خططها نوادر أساتذة العصر والمعماريون على صورة قال فيها أحد السراة: بيت:
جاء ماء الحيوان «3» إلى الخميلة ومضى باكيا ... وأكثر الأنين لاضطراره إلى مغادرة هذا الروض «4»
صفحه ۴۷