المؤلف: أبو بكر محمد بن جعفر النرشخي (المتوفى: 348 ه)
تعريب: أمين عبد المجيد البدوي ونصر الله مبشر الطرازي
عدد الأجزاء:1
الناشر: دار المعارف - القاهرة
الطبعة: الثالثة
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
أعده للشاملة: //محمود الجيزي - عفا الله عنه//
تبيه:
يلاحظ حذف صفحات من الترقيم؛ فهذه الصفحات كانت بها رسوم وخرائط، فحذفتها لأنها توقع إشكالا لدى القارئ، وحذفها لا يخل بالنص أبدا .. ولله الحمد.الكتاب: تاريخ بخارى / تعريب ¶ المؤلف: أبو بكر محمد بن جعفر النرشخي (المتوفى: 348 ه) ¶ تعريب: أمين عبد المجيد البدوي ونصر الله مبشر الطرازي ¶ عدد الأجزاء:1 ¶ الناشر: دار المعارف - القاهرة ¶ الطبعة: الثالثة ¶ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ¶ أعده للشاملة: //محمود الجيزي - عفا الله عنه// ¶ تبيه: ¶ يلاحظ حذف صفحات من الترقيم؛ فهذه الصفحات كانت بها رسوم وخرائط، فحذفتها لأنها توقع إشكالا لدى القارئ، وحذفها لا يخل بالنص أبدا .. ولله الحمد.
تقديم [من المترجمين]
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أثارة من كتاب عربى قديم لم يصلنا بعد، وعها لنا الفارسية فيما وعت من تراث عربى، رأينا أن ننقلها عن النص الفارسى إلى العربية كما نقلها المستشرقون من قبل إلى الفرنسية والروسية.
صفحه ۵
والأصل العربى كان يعرف بتاريخ بخارى، أو أخبار بخارى، ألفه أبو بكر محمد بن جعفر النرشخى «1» وانتهى من تأليفه عام 322 ه (943 م) وقدمه إلى الأمير الحميد أبى محمد نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل السامانى «2». ثم قام أبو نصر أحمد بن نصر القباوى من بلدة قبا إحدى حواضر فرغانة بترجمته إلى الفارسية، وانتهى من هذه الترجمة سنة 522 ه (1128 م) بعد أن حذف منه ما رآه فضولا مملا وزاد عليه ما ارتآه نافعا مفيدا من كتب أخرى، مثل كتاب خزائن العلوم لأبى الحسن عبد الرحمن بن محمد النيسابورى، وتاريخ بخارى لأبى عبد الله محمد بن أحمد البخارى الغنجارى، ولم تصلنا هذه الترجمة بعد. ثم لخص هذه الترجمة بالفارسية محمد بن زفر بن عمر، وأتم تلخيصها عام 574 ه (1178 م) وقدمه لحاكم بخارى برهان الدين عبد العزيز بن مازة. وقد زيد على هذا التلخيص أشياء بعد محمد بن زفر هذا، إذ نرى فيه ذكر أحداث وقعت بعد ذلك فى فترة امتدت إلى ظهور المغول، وفتح بخارى على يد چنكيز خان، كما نرى فيه ذكرا لمحمد خوارزمشاه وهذا الفاتح المغولى «1».
والترجمة التى نقدمها اليوم لقراء العربية هى ترجمة التلخيص الفارسى لكتاب تاريخ بخارى أو أخبار بخارى على هذه الصورة التى انتهت إلينا. وقد لقيت هذه الخلاصة التى وصلتنا تحت عنوان «تاريخ بخارى» اهتماما فى دوائر الاستشراق، فقام المستشرق شارل شيفر ( Ch .Schefer ) سنة 1892 م. (1310 ه) بطبعها مع مجموعة من النصوص التاريخية الفارسية عن آل سامان تخيرها من مصادر فارسية أخرى لارتباط تاريخ بخارى بتاريخ السامانيين، كما ترجم بعضها وعلق عليها ونشرها بالفرنسية مع نصوص فارسية أخرى تحت عنوان Chrestomathie Persane ,Paris I 883 ' ' وفى عام 1897 م (1315 ه) ترجمها المستشرق الروسى ليكسهن ( N .S .Lykoshin) إلى الروسية وطبعها فى طشقند تحت إشراف المستشرق المعروف بارتولد ( W .Bartold ) واستقى منها كثيرا من معلوماته فى كتابه «تركستان».
واعتمدنا فى هذه الترجمة على نسخة شيفر مع مقابلتها بنسخة مدرس رضوى الأستاذ بجامعة طهران وقد رأينا بعد الفراغ من الترجمة أن نضيف إليها تعريب فصل من كتاب «تاريخ كزيده» الفارسى عن تاريخ السامانيين الذين اتخذوا من بخارى حاضرة لهم، إتماما للفائدة وليلم القارئ بتاريخ موجز جامع لهذه الأسرة دون تشتيت لذهنه فى تتبع فصول هذا التاريخ مفرقة مع غيرها من الأحداث فى ثنايا الكتاب. وقمنا كذلك بتحقيق الأسماء وإضافة بعض الحواشى والتعليقات المناسبة.
صفحه ۶
وترجع أهمية الكتاب إلى أنه يلقى ضوءا كاشفا على ماضى بلد كان قديما جزءا من أراضى تركستان وغدا بعد الفتح الإسلامى من أهم الحواضر الإسلامية، وخرج الكثير من العلماء والمحدثين والفقهاء. وهو يقدم لنا معارف عن حاضرة السامانيين قل أن نظفر بها فى مرجع آخر، فيتحدث عن بخارى قبل الإسلام وبعد الفتح من النواحى الجغرافية والاقتصادية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ويذكر من ولى قضاءها وحكامها وآثارها ومنشآتها وأخبار فتحها وانتشار الإسلام فيها، وأمراء الأسرة السامانية الذين اتخذوها حاضرة لهم إلى آخر أيامهم.
والكتاب مثل كثير من الكتب القديمة يخلط الحقائق التاريخية بالروايات الأسطورية ويروى أحاديث موضوعة عن بخارى وفضائلها.
فهو مثلا يذكر أن أول من بنى بخارى هو البطل الإيرانى سياوش بن الملك الأسطورى كيكاوس، حين ترك أباه مغاضبا ولجأ إلى أفراسياب ملك الترك. فأكرم وفادنه وزوجه من ابنته وأقطعه هذه الأرض التى تعرف اليوم ببخارى، فبنى بها مدينة، ثم انقلب أفراسياب عليه وقتله بسعى الوشاة، فألفت فى مقتله مراث ما يزال أهل بخارى إلى اليوم يرددونها.
وبخارى إقليم من خراسان يشمل عدة مدن أهمها بخارى العاصمة، ويذكر المؤلف أن الأرض التى أقيمت عليها بخارى كانت مناقع وغياضا ومروجا عامرة بحيوان الصيد، وقد تكونت من فيضانات نهر «ما صف» الذى عرف فيما بعد باسم نهر السغد. فكان هذا النهر يفيض بذوبان الثلوج فى أعالى الجبال، ويجرف جريانه الطمى يملأ به الوهاد كما يتخلف عنه الماء الذى يكون المناقع، وبعد استواء هذه الأرض قصدها الناس من كل صوب لطيب هوائها وخصبها، وعمروها وأمروا عليهم أميرا.
صفحه ۷
ويحدثنا المؤلف عن بعض تقاليد بخارى قبل الإسلام، فيذكر مثلا أنه كانت تقام بها سوق لبيع الأصنام يقال لها «سوق ماخ» مرتين فى كل عام ولا تبقى قائمة فى كل مرة غير يوم واحد. ثم يحدثنا عن امرأة كانت تحكمهم استبدت بالملك دون ابنها الصغير «طغشادة» خمسة عشر عاما، وكان من عادتها أن تخرج كل يوم من الحصن راكبة جوادا ثم تتربع على تختها وبين يديها الغلمان والخصيان، وقد فرضت على أهل الرساتيق أن يبعثوا إليها كل يوم بمائتى شاب من الدهاقين والأمراء، يتمنطقون بمناطق الذهب ويتقلدون السيوف، فإذا ما خرجت الخاتون قاموا صفين فى خدمتها وهى تنظر فى شئون الملك تأمر وتنهى وتخلع على من تشاء وتعاقب من تشاء، وتظل كذلك من الفجر حتى الضحى، ثم تركب عائدة إلى الحصن، وتأمر بمد الخوانات للحشم والأتباع. فإذا ما أظل المساء خرجت ثانية وجلست على هذا النحو حتى الغروب، فتعود إلى حصنها ويعود هؤلاء إلى رساتيقهم ليحل غيرهم فى اليوم التالى مكانهم فى خدمتها.
وفى أيام هذه المرأة فتحت بخارى على يد عبد الله بن زياد من قبل معاوية، وقد دارت بينها وبينه حروب انتهت بالصلح على مال تؤديه، وكان ذلك فى آخر عام 53 ه وأول عام 54 ه (672 - 673 م).
ولكن بخارى مع ذلك لم تسلس القياد للفاتحين، إذ كانت ممعنة فى الوثنية تظهر الإسلام وتسر البقاء على وثنيتها. وبعد حروب طويلة قاسى فيها المسلمون أهوالا تمكن قتيبة بن مسلم بعد غزوه لها للمرة الرابعة من إقرار الإسلام وبناء المسجد الجامع بها عام 64 ه (712 م).
وكانت بخارى تتمتع بثراء طائل وتقوم بها صناعات وتجارة زاهرة، ويتجلى لنا هذا فى مغانم المسلمين منها عند الفتح وما كانوا يصالحون عليه أهلها من مال وخراج كان يؤدى فيما بعد على صورة منسوجات فاخرة تقدم لدار الخلافة. ويستخلص مما جاء فى دائرة المعارف الإسلامية «1» أن بخارى العاصمة مدينة كبيرة فى التركستان على المجرى الأدنى لنهر «زرافشان» وأن المدينة أنشئت قبل الإسلام بعدة قرون فى الموضع الذى توجد فيه بخارى الحالية.
وقد سمى الصينيون هذه المدينة منذ القرن الخامس الميلادى «نومى» وهو الاسم الذى يقابل الاسم القديم «نومجكات» «2» الذى كان معروفا أيضا فى العهد الإسلامى.
صفحه ۸
واسم بخارى بالصينية «پوهو» ويقال إن كلمة بخارى تحوير لكلمة «بخر» وهى بدورها تحوير تركى مغولى للكلمة السنسكريتية «قهارة» ومعناها صومعة أو دير.
ويقال إنه كان للبوذيين معبد فى بخارى أو على مقربة منها فى بلخ أو سمرقند.
وكان أمراء بخارى قبل الإسلام يحملون لقب «بخار خدا» «1» ومعناه أمير بخارى «2». ولما فتحها العرب أقيم إلى جانب «بخار خدا» فى السنوات الأولى عامل عربى تابع لأمير خراسان الذى كان يقيم فى «مرو»، وإلى سنة 260 ه.
(874 م.) لم تكن بخارى تابعة للسامانيين، بل كان يحكمها عامل لبنى طاهر، وبعد سقوط دولة الطاهريين سنة 259 ه. (873 م) صار يعقوب بن الليث الصفار مدة أميرا على خراسان ومن جملتها بخارى، فتوجه جماعة من العلماء والأهالى إلى نصر بن أحمد السامانى الذى كان يحكم سمرقند، فولى أخاه الأصغر إسماعيل على بخارى، وبقيت بخارى منذ ذلك الوقت فى حوزة بنى سامان إلى أن دالت دولتهم سنة 389 ه. (998 م) على ما هو مفصل فى هذا الكتاب.
وقد تعرضت مدينة بخارى للغزو والتخريب مرات، ولكنها مع هذا كان يعاد بناؤها دائما فى مكانها الأول، وعلى تخطيطها السابق الذى أنشئت عليه فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)، وقد أعان هذا على إمكان تحديد تخطيطها وما جرى عليه من تطورات فى عصورها التاريخية. وقد ميز الجغرافيون العرب فى مدينة بخارى بين معالم ثلاثة:
1 - القلعة وتسمى بالفارسية «كهندژ» أى الحصن القديم، وتكتب بالعربية «قهندز».
2 - المدينة وتسمى بالفارسية «شهرستان» أو «شارستان».
3 - الربض أو الضاحية القائمة بين المدينة القديمة والسور الذى بنى فى عهد المسلمين.
صفحه ۹
وكانت القلعة منذ أقدم عصورها قائمة فى المكان نفسه الذى توجد فيه الآن شرقى الموضع الذى يسمى- كما كان فى عهد السامانيين- «ريكستان» ( Rigstan )، ويبلغ محيط القلعة اليوم نحو كيلومتر ونصف، وتبلغ مساحتها ثلاثة وعشرين فدانا «1». وكان قصر «بخار خدا» يوجد داخل القلعة، وكان قائما على سبعة أعمدة من الحجارة تمثل الصورة الفلكية لبنات نعش، وعند مدخله لوحة من الحجر كتب عليها اسم بانيه. وكان شائعا بين الناس أنه ما من أمير فر من ذلك القصر أمام خصمه أو مات فيه قط، وإنما نزلت المنية بالأمراء جميعا خارج هذا القصر. وكانت القلعة خارج المدينة ويفصلها عنها فضاء مكشوف شرقى القلعة أقيم فيه المسجد الجامع منذ القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) وظل به إلى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى)، أما المدينة أو الشهرستان فقد أمدنا النرشخى (فى هذا الكتاب) بمعلومات دقيقة عنها جعلت من الممكن دون شك أن يعين ما يقابل الشوارع التى ذكرها من شوارع المدينة الحالية.
وقد حدث فى العصر الإسلامى أن أصبحت المدينة أو الشهرستان وضواحيها يحيط بها سور عام، ويقول النرشخى إن هذا حدث ابتداء من سنة 235 ه.
(849 - 850 م). وفى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كان يوجد إلى جانب السور القديم سور جديد أوسع منه دائرة وكان لكل من السورين أحد عشر بابا، وضع العرب لكل منها اسما مثل باب سمرقند الذى ما يزال محتفظا باسمه إلى اليوم فى الجانب الشمالى، وقد أحصى الإصطخرى أبواب السورين حسب الترتيب الدقيق الذى كانت عليه مثل:
صفحه ۱۰
باب الميدان فى الجنوب الغربى ويسمى اليوم «قره كول» ( Karakul ) ودرب إبرهيم أو باب إبرهيم ويسمى حاليا باب الشيخ جدال، وهو شرقى الباب الأول مباشرة وهما فى السور الخارجى، ثم عاد فذكر الأبواب الداخلية فبدأ بباب سمرقند فى الشمال إلى آخر تلك الأبواب الداخلية التى حدثنا عنها النرشخى (فى هذا الكتاب) وهو يتكلم عن الحريق الذى شب فى بخارى سنة 325 ه. (937 م).
وقد خربت بخارى على يد چنكيز خان عام 616 ه. (1220 م)، ثم أعيد بناؤها فى عهد خليفته أوكيدى خان «1»، وفى سنة 636 ه. (1238 م) ثار الشعب ضد المغول وطبقة الملاك، ولكن هذه الثورة أخمدت. وفى اليوم السابع من رجب سنة 671 ه. (28؟؟؟ سنة 1273 م.) فتح مغول فارس بخارى وظلوا يعملون فيها السلب والنهب سبعة أيام متواصلة، فدب فيها الخراب وتم تخريبها بعد ذلك بثلاثة أعوام على يدى الأميرين «چوبة» و«قان» وهما من الأتراك ال «چغتاى» وظلت سبعة أعوام لا تدب فيها نسمة. وفى عام 682 ه. (1283 م) أعاد تعميرها الأمير «قيد ومسعود بك» وجلب إليها السكان. وفى رجب سنة 716 ه. (19 سبتمبر- 18 أكتوبر سنة 1316 م) أغار عليها مغول فارس مرة أخرى وأخرجوا أكثر أهلها وأسكنوهم إقليم جيحون مرغمين. وفى أواخر عام 905 ه. (صيف عام 1500 م.) فتح الأزابكة مدينة بخارى، ولكنهم احتفظوا بسمرقند عاصمة لهم. وقد أقام فى بخارى اثنان من أشهر أمراء بنى شيبان هما عبيد الله ابن محمود (918 - 946 ه؛ 1512 - 1539 م.) وعبد الله بن إسكندر (918 - 964 ه./ 1512 - 1557 م.) وأصبحت بخارى فى عهدهما مركزا للحياة السياسية والروحية، وظلت كذلك عاصمة فى عهد الأسرتين التاليتين «الجانية» ( Djanides ) والإسترخانية ( Ashitarkhanides )، وفقدت سمرقند حاضرة الأوزبك كل ما كان لها من شأن تقريبا.
صفحه ۱۱
ومنذ القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى) توثقت الصلات بين دولة الأزابكة وقياصرة موسكو، فأصبحت بخارى بذلك معروفة فى روسيا وأوربا الغربية. وكان الروس فى القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين يطلقون اسم بخارى على جميع التجار والمهاجرين من آسيا الوسطى، وأطلقت هذه التسمية كذلك على سكان التركستان الصينية الحالية التى كانوا يميزونها باسم بخارى الصغرى.
وكان عهد الخان عبد العزيز (1055 - 1091 ه./ 1645 - 1680 م.) آخر عهودها السعيدة فى نظر مؤرخى تلك البلاد الذين جاءوا بعد، وقد عجز خلفاؤه عن الاحتفاظ بوحدة الدولة، فاستقل أمراء الأزابكة بالحكم فى كثير من البقاع، وأصبح الخان المقيم فى بخارى لا يحكم إلا حيزا صغيرا من الدولة القديمة.
صفحه ۱۲
وفى سنة 1153 ه. (1740 م.) خضعت بخارى لحكم نادر شاه «1» ولم تستعد استقلالها إلا بعد وفاته. وفى هذا العهد نفسه ظهرت فى بخارى أسرة «بنى منغيت» «2» إذ نادى الأتاليق محمد رحيم من أسرة منغيت بنفسه خانا سنة 1170 ه. (1756 م.) وأخذت بخارى بعد ذلك تسترد شيئا فشيئا شهرتها كمدينة الإسلام والشريعة. وعند ما اعتلى الأمير مظفر الدين شاه العرش (1277 - 1303 ه. (1860 - 1885 م) تغلغل نفوذ الروس فى بلاد ما وراء النهر القديمة. وبعد أن هزم ذلك الأمير عدة مرات اضطر إلى التخلى عن مطالبه فى وادى نهر سيحون الذى استولى عليه الروس، كما تخلى لهم عن جزء كبير من أراضيه الشمالية سنة 1304 ه. (1886 م). أما العاصمة بخارى فلم يتعرض لها الروس إلى ذلك الوقت، ولكن بخارى اتسعت غربا عام 1290 ه. (1873 م). على حساب خيوة «1» التى فتحها الروس. وظل هذا الأمير يحكم تحت نفوذ الروس.
وقد أقيمت الحدود لأول مرة بين بخارى وأفغانستان فى عهد الأمير عبد الأحد خان (1303 - 1328 ه.- 1885 - 1910 م.) وأصبحت مدينة «پنج» بمقتضى الأتفاق الذى عقد بين الروس والإنجليز سنة 1303 ه. (1885 م.) الحد الفاصل بين بخارى وأفغانستان وتخلى الأمير بعد ذلك عن جزء من إقليم «درواز» للأفغان مقابل ضم إقليمى «روشن» و«شغنان» إليه. وفى هذا العهد نفسه نظمت العلاقات بين بخارى وروسيا وأصبحت إمارة بخارى منذ سنة 1305 ه. (1887 م) يخترقها خط حديدى روسى لا يمر بالبلدان الهامة بالإمارة ومن بينها العاصمة بخارى.
وعلى بعد خمسة عشر كيلومترا من بخارى القديمة عاصمة الإمارة أقيم على الخط الحديدى بعض المنشآت الروسية وسميت بخارى الجديدة، وتعرف محطة السكة الحديد بها اليوم باسم «كاكان» " Kagan "، وأصبحت بخارى الجديدة مقر المبعوث الروسى وربطت بالعاصمة بخارى القديمة بخط حديدى أنشئ على نفقة أمير بخارى، ودخلت إمارة بخارى بأجمعها ضمن منطقة النفوذ الجمركى الروسى. ولم تتأثر حضارة بخارى على رغم ذلك بالحضارة الروسية إلا قليلا.
وقد ولى الأمير عالم خان بن الأمير السابق عبد الأحد خان الذى تلقى تعليمه فى روسيا فى مدرسة سانت بطرسبورغ الحربية إمارة بخارى منذ سنة 1328 ه.
صفحه ۱۳
(1910 م) وظل أميرا لبخارى حتى عام 1340 ه. (1920 م) ثم استولى الروس بصفة نهائية على إمارة بخارى بما فى ذلك بخارى القديمة العاصمة، وأعلنت جمهورية بخارى. وفى عام 1343 ه. (1924 م) قسمت هذه الجمهورية بين جمهورية تاجيكستان وعاصمتها «دوشنبة» وجمهورية أوزبيكستان وعاصمتها «طشقند» وجمهورية تركمانستان وعاصمتها «عشقاباد» وهذه الجمهوريات الثلاث الآن من جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية، ومدينة بخارى إحدى المدن الهامة فى جمهورية أوزبيكستان.
ولكن بخارى على رغم هذه التقلبات وما انتهت إليه اليوم ما تزال تحتفظ بكثير من المعالم الأثرية الإسلامية وما يزال العالم شرقيه وغربيه يلهج باسمى علمين من أئمة علمائها هما:
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفى المعروف بالإمام البخارى «1» صاحب الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخارى؛ والشيخ الرئيس أبو على الحسين ابن عبد الله بن الحسين بن على بن سينا البخارى الفيلسوف الطبيب «2».
*** المترجمان دكتور أمين عبد المجيد بدوى نصر الله مبشر الطرازى القاهرة 1 جمادى الأولى 1385 ه/ 28 أغسطس 1965 م.
صفحه ۱۴
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا وثناء لله تعالى جل جلاله، خالق العالم وعالم السر ورازق الأحياء ومالك الأرض والسماء؛ والصلاة والسلام على صفوة الآدميين وخاتم النبيين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وأتباعه وأشياعه رضوان الله عليهم أجمعين.
أما بعد- فيقول أبو نصر أحمد بن محمد بن نصر القباوى «1»: إن أبا بكر محمد بن جعفر النرشخى قد ألف كتابا باسم الأمير الحميد أبى محمد نوح بن نصر ابن أحمد بن إسماعيل السامانى رحمه الله تعالى فى ذكر بخارى ومناقبها وفضائلها وما فيها وفى رساتيقها من مرافق ومنافع وما ينسب إليها، وفى ذكر الأحاديث التى رويت فى فضائل بخارى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وعلماء الدين رضوان الله عليهم أجمعين.
وكان تأليف هذا الكتاب باللغة العربية وبعبارات بليغة فى شهور سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة (943 م).
صفحه ۱۵
ولما كان أكثر الناس لا يرغب فى قراءة الكتب العربية، طلب منى الأصدقاء أن أقوم بترجمة الكتاب إلى الفارسية، فأجاب الفقير طلبهم وترجمه فى جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة (1128 م). وبما أن النسخة العربية قد احتوت أشياء غير جديرة بالذكر يزداد الطبع مللا بقراءتها، فقد حذفت تلك الأشياء، واختصره أضعف العباد محمد بن زفر بن عمر فى شهور سنة أربع وسبعين وخمسمائة (1178 م) لمجلس صدر صدور الزمان العالى السيد الإمام الأجل الأعز برهان الملة والدين، سيف الإسلام والمسلمين، حسام الأئمة فى العالمين، سلطان الشريعة ظهر الخلافة إمام الحرمين مفتى الخافقين، كريم الطرفين ذى المناقب والمفاخر عبد العزيز بن الصدر الإمام الحميد برهان الدين عبد العزيز قدس الله أرواح السلف وبارك فى الخلف فى العز والعلى.
صفحه ۱۶
ذكر جماعة كانوا قضاة فى بخارى
كان منهم: سيبويه بن عبد العزيز البخارى النحوى. قال محمد بن أعين:
سمعت من عبد الله بن مبارك أن سيبويه تولى قضاء بخارى ولم يظلم مقدار درهمين، ثم استطرد قائلا: مقدار درهمين كثير، لم يظلم مثقال ذرة. ثم تولى القضاء مخلد ابن عمر سنين طويلة إلى أن استشهد آخر الأمر، وكذا أبو ديم حازم السدوسى الذى وصله فرمان القضاء من الخليفة، وعيسى بن موسى التيمى المعروف بغنجار رحمه الله ولى القضاء فلم يقبل، فقال له السلطان إن لم تل القضاء فاختر شخصا نوله، فلم يقبل هذا أيضا، فأمر السلطان، أن اذكروا أسماء أهل القضاء أمامه، ففعلوا كذلك، وحينما كانوا يذكرون اسم شخص أمامه كان يقول: ليس بأهل:
فلما ذكروا حسن بن عثمان الهمدانى سكت، فقالوا إن السكوت منه علامة الرضا، فولوا حسن بن عثمان القضاء ولم يكن فى عهده فى مدن خراسان «1» أى شخص فى علمه وزهده.
ثم عامر بن عمر بن عمران، ثم إسحق بن إبرهيم بن الخيطى وتوفى بطوس بعد عزله فى ثمان ومائتين (823 م). ثم سعيد بن خلف البلخى الذى ولى القضاء فى سلخ جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ومائتين (828 م) وقد مارس القضاء على وجه كان يضرب به المثل فى العدل والإنصاف والشفقة على خلق الله تعالى، وسن سننا حسنة منها: أنه وضع نظام عسس المياه، وتقسيم الماء فى بخارى بالعدل والإنصاف حتى لا يجوز القوى على الضعيف.
صفحه ۱۷
وكذا عبد المجيد بن إبرهيم النرشخى رحمه الله الذى كان يعد من عباد الله الصالحين، وأحمد بن إبرهيم البركدى رحمه الله كان قاضيا فى عهد السلطان أحمد ابن إسماعيل السامانى وفقيها وزاهدا.
ثم أبو ذر محمد بن يوسف البخارى وكان من جملة أصحاب الإمام الشافعى رحمه الله، وكان ذا علم وزهد كما كان مقدما على علماء بخارى، وقد امتحنوه كثيرا عن طريق تقديم الرشوة له خفية وبكل الوسائل ولكنه لم ياوث نفسه بأى شى ء بل كان العدل والإنصاف يزدادان كل يوم منه ظهورا، وعند ما بلغ الشيخوخة طلب إعفاءه من القضاء وذهب إلى الحج وأدى الفريضة، ثم أقام فى العراق مدة يطلب علم حديث النبى صلى الله عليه وسلم، وتتلمذ ثم عاد إلى بخارى فاختار العزلة إلى نهاية حياته رحمة الله عليه.
وكذا أبو الفضل بن محمد بن أحمد المروزى السلمى الفقيه رحمه الله، وهو صاحب «المختصر الكافى» تولى القضاء فى بخارى سنوات طوالا فلم تؤخذ عليه ذرة عيب، وكان يعمم العدل والإنصاف، فلم يكن له مثيل فى الدنيا فى العلم والزهد فى زمانه وصار بعد ذلك وزيرا للسلطان ومات شهيدا رحمة الله عليه.
يقول مصنف هذا الكتاب: ولو ذكرنا جميع علماء بخارى لاحتجنا إلى دفاتر عديدة نملؤها، وهذه الفئة التى ذكرناها من العلماء هم هؤلاء الذين قال النبى صلى الله عليه وسلم فى حقهم «علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل».
صفحه ۱۸
فصل: لم يورد محمد بن جعفر النرشخى هذا الفصل فى كتابه، وذكر الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد النيسابورى فى كتاب خزائن العلوم أن هذا الموضع المعروف اليوم ببخارى كان يتكون من بركة ومقصبة وغيضة ومرج وفى بعض أجزائه كان لا يجد أى حيوان مخاضة، لأن الثلوج كانت تذوب على الجبال بالولايات التى بناحية سمرقند «1» فيجتمع الماء هنالك. وبناحية سمرقند نهر عظيم يقال له نهر «ماصف» يتجمع فيه ماء كثير، وهذا الماء الكثير يخد الأرض ويلفظ وحلا كثيرا يطم الحفر، وكان الماء يأتى بكثرة ويحمل الطمى إلى ناحيتى «بتك» و«فرب» ثم توقف ذلك الماء وقد طمر هذا الموضع الذى يقال له «بخارى» وتمهدت الأرض وأصبح ذلك النهر العظيم السغد «1» وهذا الموضع المطمور بخارى. واجتمع الناس من كل صوب، وازدهر ذلك المكان وأقبل الناس من ناحية التركستان «2»، وكان بهذه الولاية كثير من الماء والشجر والصيد، فأعجب هؤلاء الناس بها وأقاموا فيها، وكانوا أول الأمر يعيشون ويقيمون فى الخيام والسرادقات، فتجمعوا وتكاثروا على مر العصور وبنوا العمائر واختاروا من بينهم واحدا اسمه «أبروى» نصبوه أميرا عليهم. ولم تكن قامت بعد هذه المدينة، بل كانت هنالك بعض الرساتيق من جملتها «نور» و«خرقان رود» و«وردانة» و«تراوجه» و«سفنه» و«إيسوانه».
وكانت القرية الكبيرة التى يقيم فيها الأمير هى «بيكند» والمدينة «قلعة دبوسى» «1» وكانت تسمى المدينة. وبعد مدة كبر «أبروى» وسلك طريق الظلم فى هذه الولاية، فلم يستطع الناس الصبر طويلا وفر الدهاقين والأغنياء منها إلى التركستان، حيث بنوا شبه مدينة سموها «حموكت» «2»، لأن فلاحا (دهقانا) عظيما اسمه «حموك» كان رئيس تلك الطائفة التى ذهبت إلى هنالك.
صفحه ۲۰
و«حموك» فى اللغة البخارية معناها جوهر، و«كت» معناها المدينة، أى «مدينة حموك». وفى اللغة البخارية يقال للشخص العظيم «حموك» «3». ثم أرسل الناس الذين بقوا فى بخارى رسولا إلى عظمائهم طالبين النجدة من جور «أبروى»، فتوجه هؤلاء العظماء والفلاحون إلى ملك الترك وكان اسمه «قراجورين ترك» ويلقبونه «بياغو» لعظمته، وقد استنجدوا به، فأرسل «بياغو» ابنه «شير كشور» «4» مع جيش عظيم، فلما وصل إلى بخارى قبض على «أبروى» فى «بيكند» وقيده، ثم أمر فملأوا جوالا بالزنابير «5» وأدخلوا فيه «أبروى» حتى مات. وقد أعجب «شير كشور» بهذه الولاية فأرسل إلى أبيه كتابا يطلبها منه مستأذنا فى البقاء ببخارى، فجاء الرد (من بياغو): «قد منحتك تلك الولاية»، وأوفد «شير كشور» رسولا إلى حموكت لإعادة هؤلاء الذين هربوا من بخارى مع نسائهم وأطفالهم، ثم صدر مرسوم باعتبار كل عائد من «حموكت» من جملة الخواص، لأن كل من كان غنيا ودهقانا كبيرا كان قد فر، وبقى المعدمون والفقراء، وعندما عاد هؤلاء القوم إلى بخارى دخل فى خدمتهم أولئك الفقراء، وكان بينهم دهقان عظيم يسمى «بخار خداة» لكونه ابن دهقان كان يملك أكثر الضياع، وكان أغلب هؤلاء الناس عبيده وخدامه.
وقد بنى «شير كشور» مدينة «بخارى» وقرى «مماستين» و«سقمتين» و«سمتين» و«فرب» «1» وحكم مدة عشرين سنة، وعند ما تولى بعده ملك آخر بنى «اسكجكت» «2» و«شرغ» و«رامتين» ثم قرية «فرخشى» «3»، وعند ما جى ء بابنة ملك الصين عروسا إلى بخارى، جاءوا فى جهازها بمعبد للأصنام من الصين ووضعوه برامتين.
صفحه ۲۱
وفى أيام خلافة أمير المؤمنين أبى بكر الصديق رضى الله عنه، سك النقد فى بخارى من الفضة الخالصة، ولم يكن بها من قبل نقود فضية وقد فتحت بخارى أيام معاوية على يد قتيبة بن مسلم؛ فولى «طغشادة» بخارى اثنين وثلاثين عاما من قبل قتيبة بن مسلم، ولما قتله أبو مسلم فى سمرقند فى عهد نصر بن سيار أمير خراسان كان «طغشادة» قد حكم بعد قتيبة بن مسلم عشر سنوات (وقتله أبو مسلم رحمه الله) «4» ثم ملك بعده أخوه «سكان بن طغشادة» سبع سنوات وقتل فى قصر «فرخشى» على أثر ثورة بأمر الخليفة وذلك فى شهر رمضان حينما كان مشغولا بقراءة القرآن، ودفن أيضا فى ذلك القصر وتولى بعده أخوه «بنيات بن طغشادة» الملك سبع سنوات وقتل بأمر الخليفة فى قصر «فرخشى» وسنذكر سبب ذلك بعد هذا، وظلت بخاى بعده فى قبضة أبناء «طغشادة» وخدامه وأحفاده إلى عهد الأمير إسماعيل السامانى حيث خرج الملك من يد أبناء «بخار خداة» وسيأتى ذكره فيما بعد.
صفحه ۲۲
ذكر سيدة (خاتون) كانت ملكة بخارى وأولادها الذين تولوا الملك بعدها
يقول محمد بن جعفر: عند ما مات «بيدون بخار خداة «1»» ترك طفلا رضيعا اسمه «طغشادة»، فجلست على العرش هذه الخاتون (السيدة) التى كانت أم الطفل ومكثت فى الحكم خمس عشرة سنة. وأخذ العرب يقصدون بخارى فى عهدها، فكانت الخاتون فى كل مرة تعقد الصلح معهم وتعطيهم المال.
ويقال إنه لم يكن فى عصر من العصور من هو أصوب رأيا منها، فكانت تحكم بصائب الرأى وينقاد لها الناس. وكان من عادتها أن تخرج كل يوم من حصن بخارى على ظهر جوادها وتقف على باب «ريكستان» وقد سمى هذا الباب بباب العلافين (دروازه علف فروشان) حيث كانت تجلس على تخت وأمامها الغلمان والخصيان والأشراف والحشم.
وكانت قد فرضت على أهل الرستاق أن يجى ء لخدمتها مائتا شاب من الدهاقين والأمراء متمنطقين بمناطق ذهبية ويحملون السيوف ويقفون من بعيد، وعند خروج الخاتون كانوا يحيونها ويقفون فى صفين وهى تنظر فى أمور المملكة وتأمر وتنهى وتخلع على من تريد وتعاقب من تريد وتظل هكذا من الصباح إلى الضحى ثم تعود إلى الحصن وترسل الموائد وتطعم جميع الخدم والحشم.
وعند ما يأتى المساء كانت تخرج على هذه الصورة وتجلس على التخت وقد اصطف أمامها الدهاقين والأمراء فى صفين للتحية، وذلك إلى غروب الشمس وحينئذ تقوم وتركب وتذهب إلى القصر، ويذهب هؤلاء إلى موطنهم فى الرستاق.
صفحه ۲۳
وفى اليوم التالى يأتى قوم آخرون للخدمة بنفس الطريقة وهكذا دواليك حتى تأتى النوبة على هؤلاء القوم (ثانية)، وكان يتحتم على كل منهم أن يجى ء فى العام أربعة أيام على هذا المنوال.
فلما توفيت هذه الخاتون كان ابنها «طغشادة» قد كبر واستأهل الملك بينما كان الكل يطمع فى هذا الملك.
وقد كان ثمة وزير أصله من التركستان يسمى «وردان خداة » وكانت له إمرة «وردانة» وقد خاض معه قتيبة «1» حروبا كثيرة إلى أن مات «وردان خداة» هذا، واستولى قتيبة على بخارى بعد أن أخرج «وردان خداة» مرارا من هذه الولاية حتى هرب إلى التركستان. فأعطى قتيبة بخارى لطغشادة ثانية وأجلسه على العرش وصفا له الملك وكف عنه أيدى جميع أعدائه.
صفحه ۲۴
وكان «طغشادة» قد أسلم على يد قتيبة وظل يحكم بخارى طيلة حياة قتيبة، كما بقى ملك بخارى فى يده بعد قتيبة فى عهد نصر بن سيار. فملك بخارى اثنين وثلاثين عاما، وأنجب طغشادة وهو فى الإسلام ولدا أسماه قتيبة محبة فى قتيبة بن مسلم، فأجلس قتيبة هذا على عرش والده وبقى على الإسلام مدة إلى أن ارتد فى زمان أبى مسلم رحمه الله، فعلم أبو مسلم بذلك وقتله وأهلك أخاه كذلك مع أهله، وبعد ذلك صار «بنيات بن طغشادة» ملكا على بخارى وكان قد ولد فى الإسلام وظل عليه مدة. فلما ظهر «المقنع» وظهرت فتنة المبيضة أى ذوى الأردية البيضاء (سپيدجا مكان) فى رستاق بخارى مال إليهم «بنيات» وأعامهم حتى طالت أيديهم وتغلبوا، فأخبر صاحب البريد الخليفة، وكان الخليفة إذ ذاك «المهدى». ولما فرغ المهدى من أمر المقنع والمبيضة أرسل الفرسان، وكان بنيات جالسا فى قصر «فرخشى» يحتسى الشراب فى المجلس وينظر من الشرفة، فرأى الفرسان قادمين من بعيد، فأدرك بالفراسة على الفور أنهم من قبل الخليفة، وبينا كان يتدبر الأمر إذ بهم وصلوا وسلوا السيوف دون أن يتكلموا وضربوا رأسه وذلك فى عام مائة وستة وستين من الهجرة 782 م وفر قومه كلهم وعاد هؤلاء الفرسان أجمعين.
وعند ما قتل أبو مسلم «1» قتيبة بن طغشادة بسبب ارتداده عن الإسلام وقتل كذلك أخاه وأهل بيته، أعطى ضياعه ومستغلاته لبنيات بن طغشادة الذى ظلت معه حتى عصر الأمير إسماعيل السامانى.
فلما ارتد بنيات وقتل، ظلت تلك الضياع فى يد أولاد بخار خداة. وكان آخر من خرجت من يده هذه الأملاك «2» هو أبو إسحق إبرهيم بن خالد بن بنيات.
وكان إبرهيم يقيم فى بخارى والأملاك فى يده ويرسل كل عام بالخراج والغلات من ناحية ما وراء النهر «3» إلى أخيه نصر ليبعث بها إلى أمير المؤمنين المقتدر «4».
صفحه ۲۵