قلبي). أوليس هذا الكلام والطلب من إبراهيم (ع) يدلان على أنه لم يكن موقنا بأن الله تعالى يحيي الموتى؟ وكيف يكون نبيا من يشك في ذلك؟
أوليس قد روى المفسرون أن إبراهيم (ع) مر بحوت نصفه في البر ونصفه في البحر، ودواب البر والبحر تأكل منه، فأخطر الشيطان بباله استبعاد رجوع ذلك حيا مؤلفا، مع تفرق أجزائه وانقسام أعضائه في بطون حيوان البر والبحر؟ فشك فسأل الله تعالى ما تضمنته الآية، وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم (ع).
(الجواب): قيل له ليس في الآية دلالة على شك إبراهيم في إحياء الموتى، وقد يجوز أن يكون (ع) إنما سأل الله تعالى ذلك ليعلمه على وجه يبعد عن الشبهة، ولا يعترض فيه شك ولا ارتياب. وإن كان من قبل قد علمه على وجه للشبهة فيه مجال، ونحن نعلم أن في مشاهدة ما شاهده إبراهيم من كون الطير حيا ثم تفرقه وتقطعه وتباين أجزائه ثم رجوعه حيا كما كان في الحال الأولى، من الوضوح وقوة العلم ونفي الشبهة ما ليس لغيره من وجوه الاستدلالات، وللنبي (ع) أن يسأل ربه تخفيف محنته وتسهيل تكليفه.
والذي يبين صحة ما ذكرناه قوله تعالى: (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي). فقد أجاب إبراهيم بمعنى جوابنا بعينه، لأنه بين أنه لم يسأل ذلك لشك فيه وفقد إيمان به، وإنما أراد الطمأنينة، وهي ما أشرنا إليه من سكون النفس وانتفاء الخواطر والوساوس والبعد عن اعتراض الشبهة.
ووجه آخر: وهو أنه قد قيل إن الله تعالى لما بشر إبراهيم عليه السلام بخلته واصطفائه واجتبائه، سأل الله تعالى أن يريه إحياء الموتى ليطمئن قلبه بالخلة، لأن الأنبياء عليهم السلام لا يعلمون صحة ما تضمنه الوحي إلا بالاستدلال. فسأل إحياء الموتى لهذا الوجه لا للشك في قدرة الله تعالى على ذلك.
صفحه ۵۰