بذلك على من بحضرته على أن يقول له: ما أردت بقولي إن ربي الذي يحيي ويميت ما ظننته من استبقاء حي. وإنما أردت به أنه يحيي الميت الذي لا حياة فيه. إلا أن إبراهيم (ع) علم أنه إن أورد ذلك عليه التبس الأمر على الحاضرين وقويت الشبهة، لأجل اشتراك الاسم، فعدل إلى ما هو أوضح، واكشف وأبين وأبعد من الشبهة، فقال: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر ولم يبق عنده شبهة.
ومن كان قصده البيان والايضاح فله أن يعدل من طريق إلى آخر لوضوحه وبعده عن الشبهة، وإن كان كلا الطريقين يفضي إلى الحق. على أنه بالكلام الثاني ناصر للحجة الأولى وغير خارج عن سنن نصرتها، لأنه لما قال ربي الذي يحيي ويميت، فقال له في الجواب أنا أحيي وأميت، فقال له إبراهيم: من شأن هذا الذي يحيي ويميت أن يقدر على أن يأتي بالشمس من المشرق ويصرفها كيف يشاء. فإن ادعيت أنت القادر على ما يقدر الرب عليه فائت بالشمس من المغرب كما يأتي هو بها من المشرق، فإذا عجزت عن ذلك علمنا أنك عاجز عن الحياة والموت ومدع فيهما ما لا أصل له، فإن قيل: فلو قال له في جواب هذا الكلام: وربك لا يقدر أن يأتي بالشمس من المغرب، فكيف تلزمني أن آتي بها من المغرب؟
قلنا: لو قال له ذلك لكان إبراهيم (ع) يدعو الله أن يأتي بالشمس من المغرب فيجيبه إلى ذلك، وإن كان معجزا خارقا للعادة. ولعل الخصم إنما عدل عن أن يقول له ذلك علما بأنه إذا سأل الله تعالى فيه أجابه إليه.
تنزيه إبراهيم عن الشك في قدرة الله:
(مسألة): فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى حاكيا عن إبراهيم:
(رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن (1)
صفحه ۴۹