وربما يلتفت من قوله صلى الله عليه وسلم : ((حبيبتان إلى الرحمن)) إلى قوله -عز وجل-: {الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان}، لأن ((سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))، من أبلغ البيان الذي علمه الرحمن، فيقوى مناسبة اسم الرحمن في وصفهما وليتفكر الذاكر بهما نعم الرحمن التي من بعضها أن جعله إنسانا، وعلمه قرآنا، وألهمه منطقا وبيانا، فنعمه -تبارك وتعالى- في تعليم البيان كنعمه في خلق الإنسان، لأن النطق، فيما ذكر هواء يخرج من قصبة الرئة، فينضم في الحلقوم، ثم ينفرش في أقصى الحلق، ووسطه، وآخره، وأعلاه، وأسفله ، وعلى وسط اللسان، وأطرافه، وبين الثنايا، وفي الشفتين والخيشوم، فيسمع له عند كل مقطع من تلك المقاطع صوت غير صوت المقطع المجاور له، فإذا هو حروف، فألهم -سبحانه- الإنسان نظم بعضها إلى بعض فإذا هي كلمات قائمة بأنفسها، ثم ألهمه تأليف تلك الكلمات بعضها إلى بعض، فإذا هي كلام دال على أنواع من المعاني.
لولا عجائب صنع الله ما نبتت ... تلك الفضائل في لحم ولا عصب
فإذا قال ذو اللب السليم: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ونحو ذلك، تفكر من أين خرج هذا البيان، من هواء مجرد خارج من باطن الإنسان إلى ظاهره جار في مجار، قد هيأت وأعدت لتقطيعه، وتفصيله، ثم لتأليفه وتوصيله، فتبارك الله رب العالمين أحسن الخالقين. فحينئذ يزداد شكر الذاكر، ويقوى إيمانه بالله تعالى، وبكمال قدرته وعلمه وحكمته وإحسانه إلى خلقه وعنايته بتربيته، فيضاعف له حينئذ بذلك الثواب والحسنات، وترفع له الدرجات في الجنات.
وأما ما في هذا الحديث من فنون البلاغة، وعيون الفصاحة، والمعاني الرفيعة، والأبواب البديعة، المذكور ذلك عند أهل النقد والبلاغة في علمي المعاني والبيان. فمن ذلك حسن الابتداء، ولا يخفى ما في هذا الحديث من حسن الابتداء، وبراعة الاستهلال وبلاغة الفاتحة.
ومنه المطابقة وهي: مقابلة الشيء لضده على القول المختار، وتارة يجيء طباقا محضا ويسمى عندهم التكافؤ، كما في هذا الحديث، الخفة والثقل، وتقرب من المطابقة المحضة: المقابلة وهي موجودة في الحديث أيضا، وتارة يجيء طباقا غير محض كالسواد مع الضوء، مثلا وبعضهم يسمى هذا مخالفا.
صفحه ۱۲۴