ومن الحق على الملك أن لا يجاوز بأهل الجرائم عقوبة جرائمهم. فإن لكل ذنبٍ عقوبةً. إما في الشريعة والنواميس، وإما في الإجماع والاصطلاح. فمن ترك العقوبة في موضعها، فبالحرى أن يعاقب من لا ذنب له. وليس بين ترك العقوبة، إذا وجبت، وعقوبة من لا ذنب له، فرق. وإنما وضع الله الملوك بهذه المواضع الرفيعة، ليقوموا كل ميل، ويدعموا كل إقامة.
تطيب الملك وتجمله: ومن أخلاق الملك أن لا يشارك بطانته وندماءه في مس طيبٍ ولا مجمرٍ؛ فإن هذا وما أشبهه يرتفع الملك فيه عن مساواة أحد. وكذا يجب على بطانة الملك وقرابته أن لا يمسوا طيبًا إذا تطيب، لنفرد الملك بذلك دونهم. وليس الطيب كالطعام والشراب اللذين لا بد من مشاركة الندماء فيهما.
فأما كل ما أمكن الملك أن ينفرد به دون خاصته وحامته؛ فمن أخلاقه أن لا يشارك أحدًا فيه. وكذا حكي عن أنوشروان ومعاوية بن أبي سفيان. وبعض أهل العلم يحكي عن الرشيد ما يقرب من هذا.
وأولى الأمور بأخلاق الملك، إن أمكنه التفرد بالماء والهواء، أن لا يشرك فيهما أحدًا؛ فإن البهاء والعز والأبهة في التفرد.
1 / 44