تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

علامه طباطبایی d. 1402 AH
99

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرها

تفسیر

وأما كون قوله تعالى: ولسوف يعطيك ربك فترضى، أرجى آية في كتاب الله دون قوله تعالى: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا الآية، فإن النهي عن القنوط وإن تكرر ذكره في القرآن الشريف إلا أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): قال: "ومن يقنط من رحمة الله إلا القوم الضالون:" الحجر - 56، وقوله تعالى حكاية عن يعقوب (عليه السلام): "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون": يوسف - 87، ناظرتان إلى اليأس والقنوط من الرحمة التكوينية بشهادة المورد.

وأما قوله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم:" الزمر - 54، إلى آخر الآيات فهو وإن كان نهيا عن القنوط من الرحمة التشريعية بقرينة قوله تعالى أسرفوا على أنفسهم الظاهر في كون القنوط في الآية قنوطا من جهة المعصية، وقد عمم سبحانه المغفرة للذنوب جميعا من غير استثناء، ولكنه تعالى ذيله بالأمر بالتوبة والإسلام والعمل بالإتباع فدلت الآية على أن العبد المسرف على نفسه لا ينبغي له أن يقنط من روح الله ما دام يمكنه اختبار التوبة والإسلام والعمل الصالح.

وبالجملة فهذه رحمة مقيدة أمر الله تعالى عباده بالتعلق بها، وليس رجاء الرحمة المقيدة كرجاء الرحمة العامة والإعطاء، والإرضاء المطلقين الذين وعدهما الله لرسوله الذي جعله رحمة للعالمين.

ذلك الوعد يطيب نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله تعالى: ولسوف يعطيك ربك فترضى" الآية.

توضيح ذلك: أن الآية في مقام الامتنان وفيها وعد يختص به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعد الله سبحانه بمثله أحدا من خلقه قط، ولم يقيد الإعطاء بشيء فهو إعطاء مطلق وقد وعد الله ما يشابه ذلك فريقا من عباده في الجنة فقال تعالى: "لهم فيها ما يشاءون عند ربهم:" الشورى - 22، وقال تعالى: "لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد:" ق - 35، فأفاد أن لهم هناك ما هو فوق مشيتهم، والمشية تتعلق بكل ما يخطر ببال الإنسان من السعادة والخير، فهناك ما لا يخطر على قلب بشر كما قال تعالى: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين:" السجدة - 17، فإذا كان هذا قدر ما أعطاه الله على عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهو أمر فوق القدر كما عرفت ذلك فما يعطيه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام الامتنان أوسع من ذلك وأعظم فافهم.

فهذا شأن إعطائه تعالى، وأما شأن رضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن المعلوم أن هذا الرضا ليس هو الرضا بما قسم الله، الذي هو زميل لأمر الله.

فإن الله هو المالك الغني على الإطلاق وليس للعبد إلا الفقر والحاجة فينبغي أن يرضى بقليل ما يعطيه ربه وكثيره وينبغي أن يرضى بما قضاه الله في حقه، سره ذلك أو ساءه، فإذا كان هذا هكذا فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم وأعمل، لا يريد إلا ما يريده الله في حقه، لكن هذا الرضا حيث وضع في مقابل الإعطاء يفيد معنى آخر نظير إغناء الفقير بما يشكو فقده، وإرضاء الجائع بإشباعه فهو الإرضاء بالإعطاء من غير تحديد، وهذا أيضا مما وعد الله ما يشابهه لفريق من عباده.

قال عز من قائل: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه:" البينة - 8، وهذا أيضا لموقع الامتنان والاختصاص يجب أن يكون أمرا فوق ما للمؤمنين وأوسع من ذلك، وقد قال تعالى: في حق رسوله: "بالمؤمنين رءوف رحيم:" التوبة - 128، فصدق رأفته وكيف يرضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويطيب نفسه أن يتنعم بنعيم الجنة ويرتاض في رياضه وفريق من المؤمنين متغلغلون في دركات السعير، مسجونون تحت أطباق النار وهم معترفون لله بالربوبية، ولرسوله بالرسالة، ولما جاء به بالصدق، وإنما غلبت عليهم الجهالة، ولعب بهم الشيطان، فاقترفوا معاصي من غير عناد واستكبار.

صفحه ۱۰۰