تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

علامه طباطبایی d. 1402 AH
94

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ژانرها

تفسیر

وأما عن الآيات المشتملة على استثناء الإذن والارتضاء فدلالة قوله: "إلا بإذنه" وقوله: "إلا من بعد إذنه" على الوقوع وهو مصدر مضاف مما لا ينبغي أن ينكره عارف بأساليب الكلام وكذا القول: بكون قوله: "إلا بإذنه" وقوله: "إلا لمن ارتضى"، بمعنى واحد وهو المشية مما لا ينبغي الإصغاء إليه، على أن الاستثناء واقع في مورد الشفاعة بوجوه مختلفة كقوله: "إلا بإذنه وإلا من بعد إذنه" وقوله "إلا لمن ارتضى"، وقوله: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" إلى غير ذلك، فهب: أن الإذن والارتضاء واحد وهو المشية فهل يمكن التفوه بذلك في قوله: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون".

فهل المراد بهذا الاستثناء استثناء المشية أيضا؟ هذا وأمثاله من المساهلة في البيان مما لا يصح نسبته إلى كلام سوقي فكيف بالكلام البليغ! وكيف بأبلغ الكلام! وأما السنة فسيأتي الكلام في دلالتها على ما يحاذي دلالة الكتاب.

الإشكال السادس: أن الآيات غير صريحة في رفع العقاب الثابت على المجرمين يوم القيامة بعد ثبوت الجرم ولزوم العقاب بل المراد بها شفاعة الأنبياء بمعنى توسطهم بما هم أنبياء بين الناس وبين ربهم بأخذ الأحكام بالوحي وتبليغها الناس وهدايتهم وهذا المقدار كالبذر ينمو وينشأ منه ما يستقبله من الأقدار والأوصاف والأحوال فهم (عليهم السلام) شفعاء المؤمنين في الدنيا وشفعاؤهم في الآخرة.

والجواب: أنه لا كلام في أن ذلك من مصاديق الشفاعة إلا أن الشفاعة غير مقصورة فيه كما مر بيانه، ومن الدليل عليه قوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء": النساء - 48، وقد مر بيان أن الآية في غير مورد الإيمان والتوبة، والشفاعة التي قررها المستشكل في الأنبياء إنما هي بطريق الدعوة إلى الإيمان والتوبة.

الإشكال السابع: أن طريق العقل لا يوصل إلى تحقق الشفاعة، وما نطق به القرآن آيات متشابهة تنفيها تارة وتثبتها أخرى، وربما قيدتها وربما أطلقتها، والأدب الديني الإيمان بها، وإرجاع علمها إلى الله تعالى.

والجواب عنه: أن المتشابهة من الآيات تصير بإرجاعها إلى المحكمات محكمات مثلها، وهو أمر ميسور لنا غير مضروب دونه الستر، كما سيجيء بيانه عند قوله تعالى: "منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات": آل عمران - 7.

3 - فيمن تجري الشفاعة؟

قد عرفت أن تعيين المشفوع لهم يوم القيامة لا يلائم التربية الدينية كل الملاءمة إلا أن يعرفوا بما لا يخلو عن شوب إبهام وعلى ذلك جرى بيان القرآن، قال تعالى: "كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين": المدثر - 48، بين سبحانه فيها أن كل نفس مرهونة يوم القيامة بما كسبت من الذنوب، مأخوذة بما أسلفت من الخطايا إلا أصحاب اليمين فقد فكوا من الرهن وأطلقوا واستقروا في الجنان، ثم ذكر أنهم غير محجوبين عن المجرمين الذين هم مرهونون بأعمالهم، مأخوذ عليهم في سقر، يتساءلون عنهم سلوكهم في النار، وهم يجيبون بالإشارة إلى عدة صفات ساقتهم إلى النار، فرع على هذه الصفات بأنه لم ينفعهم لذلك شفاعة الشافعين.

صفحه ۹۵