تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرها
2 سورة البقرة - 21 - 25
يأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) الذى جعل لكم الأرض فرشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرت رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22) وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صدقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكفرين (24) وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصلحت أن لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشبها ولهم فيها أزوج مطهرة وهم فيها خلدون (25)
بيان
قوله تعالى: يا أيها الناس اعبدوا "إلخ"، لما بين سبحانه: حال الفرق الثلاث: المتقين والكافرين، والمنافقين، وأن المتقين على هدى من ربهم والقرآن هدى لهم، وأن الكافرين مختوم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، وأن المنافقين مرضى وزادهم الله مرضا وهم صم بكم عمي وذلك في تمام تسع عشرة آية فرع تعالى على ذلك أن دعى الناس إلى عبادته وأن يلتحقوا بالمتقين دون الكافرين والمنافقين بهذه الآيات الخمس إلى قوله: خالدون.
وهذا السياق يعطي كون قوله: لعلكم تتقون متعلقا بقوله: اعبدوا، دون قوله خلقكم وإن كان المعنى صحيحا على كلا التقديرين.
وقوله تعالى: فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون، الأنداد جمع ند كمثل، وزنا ومعنى وعدم تقييد قوله تعالى: وأنتم تعلمون بقيد خاص وجعله حالا من قوله تعالى فلا تجعلوا، يفيد التأكيد البالغ في النهي بأن الإنسان وله علم ما كيفما كان لا يجوز له أن يتخذ لله سبحانه أندادا والحال أنه سبحانه هو الذي خلقهم والذين من قبلهم ثم نظم النظام الكوني لرزقهم وبقائهم.
وقوله تعالى: فأتوا بسورة من مثله أمر تعجيزي لإبانة إعجاز القرآن، وأنه كتاب منزل من عند الله لا ريب فيه، إعجازا باقيا بمر الدهور وتوالي القرون وقد تكرر في كلامه تعالى: "هذا التعجيز كقوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا": الإسراء - 88، وقوله تعالى: "أم يقولون افتريه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين": هود - 13.
وعلى هذا فالضمير في مثله عائد إلى قوله تعالى: مما نزلنا، ويكون تعجيزا بالقرآن نفسه وبداعة أسلوبه وبيانه.
ويمكن أن يكون الضمير راجعا إلى قوله: عبدنا، فيكون تعجيزا بالقرآن من حيث إن الذي جاء به رجل أمي لم يتعلم من معلم ولم يتلق شيئا من هذه المعارف الغالية العالية والبيانات البديعة المتقنة من أحد من الناس فيكون الآية في مساق قوله تعالى: قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدريكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون": يونس - 16، وقد ورد التفسيران معا في بعض الأخبار.
واعلم: أن هذه الآية كنظائرها تعطي إعجاز أقصر سورة من القرآن كسورة الكوثر وسورة العصر مثلا، وما ربما يحتمل من رجوع ضمير مثله إلى نفس السورة كسورة البقرة أو سورة يونس مثلا يأباه الفهم المستأنس بأساليب الكلام إذ من يرمي القرآن بأنه افتراء على الله تعالى إنما يرميه جميعا ولا يخصص قوله ذاك بسورة دون سورة، فلا معنى لرده بالتحدي بسورة البقرة أو بسورة يونس لرجوع المعنى حينئذ إلى مثل قولنا: وإن كنتم في ريب من سورة الكوثر أو الإخلاص مثلا فأتوا بسورة مثل سورة يونس وهو بين الاستهجان هذا.
صفحه ۳۰