تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرها
2 سورة البقرة - 8 - 20
ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين (8) يخدعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9) فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12) وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس قالوا أنؤمن كما ءامن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13) وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شيطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون (14) الله يستهزئ بهم ويمدهم فى طغينهم يعمهون (15) أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى فما ربحت تجرتهم وما كانوا مهتدين (16) مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمت لا يبصرون (17) صم بكم عمى فهم لا يرجعون (18) أو كصيب من السماء فيه ظلمت ورعد وبرق يجعلون أصبعهم فى ءاذانهم من الصوعق حذر الموت والله محيط بالكفرين (19) يكاد البرق يخطف أبصرهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصرهم إن الله على كل شىء قدير (20)
بيان
قوله تعالى: ومن الناس من يقول إلى آخر الآيات، الخدعة نوع من المكر، والشيطان هو الشرير ولذلك سمي إبليس شيطانا.
وفي الآيات بيان حال المنافقين، وسيجيء إن شاء الله تفصيل القول فيهم في سورة المنافقين وغيرها.
وقوله تعالى: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا "إلخ" مثل يمثل به حالهم، أنهم كالذي وقع في ظلمة عمياء لا يتميز فيها خير من شر ولا نافع من ضار فتسبب لرفعها بسبب من أسباب الاستضاءة كنار يوقدها فيبصر بها ما حولها فلما توقدت وأضاءت ما حولها أخمدها الله بسبب من الأسباب كريح أو مطر أو نحوهما فبقي فيما كان عليه من الظلمة وتورط بين ظلمتين: ظلمة كان فيها وظلمة الحيرة وبطلان السبب.
وهذه حال المنافق، يظهر الإيمان فيستفيد بعض فوائد الدين باشتراكه مع المؤمنين في مواريثهم ومناكحهم وغيرهما حتى إذا حان حين الموت وهو الحين الذي فيه تمام الاستفادة من الإيمان ذهب الله بنوره وأبطل ما عمله وتركه في ظلمة لا يدرك فيها شيئا ويقع بين الظلمة الأصلية وما أوجده من الظلمة بفعاله.
وقوله تعالى: أو كصيب من السماء إلخ، الصيب هو المطر الغزير، والبرق معروف، والرعد هو الصوت الحادث من السحاب عند الإبراق، والصاعقة هي النازلة من البروق.
وهذا مثل ثان يمثل به حال المنافقين في إظهارهم الإيمان، أنهم كالذي أخذه صيب السماء ومعه ظلمة تسلب عنه الأبصار والتمييز، فالصيب يضطره إلى الفرار والتخلص، والظلمة تمنعه ذلك، والمهولات من الرعد والصاعقة محيطة به فلا يجد مناصا من أن يستفيد بالبرق وضوئه وهو غير دائم ولا باق متصل كلما أضاء له مشى وإذا أظلم عليه قام.
وهذه حال المنافق فهو لا يحب الإيمان ولا يجد بدا من إظهاره، ولعدم المواطاة بين قلبه ولسانه لا يستضيء له طريقه تمام الاستضاءة، فلا يزال يخبط خبطا بعد خبط ويعثر عثرة بعد عثرة فيمشي قليلا ويقف قليلا ويفضحه الله بذلك ولو شاء الله لذهب بسمعه وبصره فيفتضح من أول يوم
صفحه ۲۹