تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرها
ومن هنا يعلم: أن الذي أخذه سبحانه من أوصافهم هو الذي يقضي به الفطرة إذا سلمت وأنه سبحانه وعدهم أنه سيفيض عليهم أمرا سماه هداية، فهذه الأعمال الزاكية منهم متوسطة بين هدايتين كما عرفت، هداية سابقة وهداية لاحقة، وبين الهدايتين يقع صدق الاعتقاد وصلاح العمل، ومن الدليل على أن هذه الهداية الثانية من الله سبحانه فرع الأولى، آيات كثيرة كقوله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة": إبراهيم - 27.
وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به": الحديد - 28.
وقوله تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم": محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - 7.
وقوله تعالى: والله لا يهدي القوم الظالمين": الصف - 7.
وقوله تعالى: "والله لا يهدي القوم الفاسقين": الصف - 5.
إلى غير ذلك من الآيات.
والأمر في ضلال الكفار والمنافقين كما في المتقين على ما سيأتي إن شاء الله.
وفي الآيات إشارة إلى حياة أخرى للإنسان كامنة مستبطنة تحت هذه الحياة الدنيوية، وهي الحياة التي بها يعيش الإنسان في هذه الدار وبعد الموت وحين البعث، قال تعالى: "أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها": الأنعام - 123.
وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
وقوله سبحانه: يؤمنون، الإيمان تمكن الاعتقاد في القلب مأخوذ من الأمن كأن المؤمن يعطي لما أمن به الأمن من الريب والشك وهو آفة الاعتقاد، والإيمان كما مر معنى ذو مراتب، إذ الإذعان ربما يتعلق بالشيء نفسه فيترتب عليه أثره فقط، وربما يشتد بعض الاشتداد فيتعلق ببعض لوازمه، وربما يتعلق بجميع لوازمه فيستنتج منه أن للمؤمنين طبقات على حسب طبقات الإيمان.
وقوله سبحانه: بالغيب، الغيب خلاف الشهادة وينطبق على ما لا يقع عليه الحس، وهو الله سبحانه وآياته الكبرى الغائبة عن حواسنا، ومنها الوحي، وهو الذي أشير إليه بقوله: "والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" فالمراد بالإيمان بالغيب في مقابل الإيمان بالوحي والإيقان بالآخرة، هو الإيمان بالله تعالى ليتم بذلك الإيمان بالأصول الثلاثة للدين، والقرآن يؤكد القول على عدم القصر على الحس فقط ويحرص على اتباع سليم العقل وخالص اللب.
وقوله سبحانه: وبالآخرة هم يوقنون، العدول في خصوص الإذعان بالآخرة عن الإيمان إلى الإيقان، كأنه للإشارة إلى أن التقوى لا تتم إلا مع اليقين بالآخرة الذي لا يجامع نسيانها، دون الإيمان المجرد، فإن الإنسان ربما يؤمن بشيء ويذهل عن بعض لوازمه فيأتي بما ينافيه، لكنه إذا كان على علم وذكر من يوم يحاسب فيه على الخطير واليسير من أعماله لا يقتحم معه الموبقات ولا يحوم حوم محارم الله سبحانه البتة قال تعالى: "ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب": ص - 26، فبين تعالى: أن الضلال عن سبيل الله إنما هو بنسيان يوم الحساب فذكره واليقين به ينتج التقوى.
وقوله تعالى: أولئك على هدى من ربهم، الهداية كلها من الله سبحانه، لا ينسب إلى غيره البتة إلا على نحو من المجاز كما سيأتي إن شاء الله، ولما وصفهم الله سبحانه بالهداية وقد قال في نعتها: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره": الأنعام - 125، وشرح الصدر سعته وهذا الشرح يدفع عنه كل ضيق وشح، وقد قال تعالى: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون": الحشر - 9، عقب سبحانه هاهنا أيضا قوله: أولئك على هدى من ربهم بقوله: وأولئك هم المفلحون الآية.
بحث روائي
في المعاني، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: الذين يؤمنون بالغيب، قال: من آمن بقيام القائم (عليه السلام) أنه حق.
أقول: وهذا المعنى مروي في غير هذه الرواية وهو من الجري.
وفي تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: "ومما رزقناهم ينفقون" قال: ومما علمناهم يبثون.
وفي المعاني، عنه (عليه السلام): في الآية: ومما علمناهم يبثون، وما علمناهم من القرآن يتلون.
أقول: والروايتان مبنيتان على حمل الإنفاق على الأعم من إنفاق المال كما ذكرناه.
صفحه ۲۳