يبقى ثابتًا، ولا يُتَصوَّر الخرور إلا بالسجود، ولكن التعبير بالركوع عن السجود من باب التعبير بالمعنى العام عن المعنى الخاص، لأن أصل الركوع في اللغة العربية هو الذل، كما قال الشاعر:
لا تُهينَ الفقيرَ عَلَّكَ أن ... تركع يومًا والدهرُ قد رفعَهْ (^١)
يعني أن تذل، والدهر قد رفعه: أي قد رفع هذا الفقير. إذًا فالذي عين أن يكون الركوع هنا بمعنى السجود هو قوله: ﴿وَخَرَّ﴾ ولكنه عبر بالركوع عن السجود لإظهار أن هذا الركوع ركوع ذلّ لله ﷿، ثم قال: ﴿وَأَنَابَ﴾ أي: رجع إلى الله، والإنابة: الرجوع مع الخشية فهو رجع إلى الله مع خشية الله ﷾.
قال الله تعالى: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾ أي: سترنا وتجاوزنا، له أي: لداود، واللام في ﴿لَهُ﴾ يحتمل أن تكون للتعدية، أو أن تكون للتعليل، لكنها للتعدية أولى، وفي كونها للتعليل تأمل، أي: أننا غفرنا لداود ذلك الذي وقع منه، وهي الفتنة التي افتتن بها، ولم يتخذ الإجراء اللازم في الحكم.
قال: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ مع المغفرة. أضاف الله له هذه المنقبة ﴿وَإِنَّ لَهُ﴾ أي: لداود عندنا ﴿لَزُلْفَى﴾ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أي: زيادة خير في الدنيا]، ويحتمل أن المرادَ بالزلفى زيادةُ القرب، كما قال تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٣١)﴾ [ق: ٣١] أي: قرِّبت، فالزلفى تفسيرها بزيادة الخير فيه شيء من النظر، والصواب أن المراد بالزلفى القربى، أما حسن المآب، فهو زيادة الخير، قال المؤلف