ثانيًا: أن داود ﵇ سمع كلام الخصم الأول ولم يستمع إلى كلام الخصم الآخر، لأن القرآن ليس فيه أنه سمع إلى كلام الخصم الآخر.
ثالثًا: أنه حكم وقال: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ والحكم قبل سماع جواب الخصم الآخر فيه شيء من التسرع ما دام الخصم حاضرًا.
لهذا علم داود ﵊ أن الله تعالى ابتلاه بهذه الخصومة التي جاءت وهو يتعبد في محرابه وتسوروا عليه المحراب، فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب.
قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ﴾ أي: طلب المغفرة، والمغفرة لغة: مأخوذة من المِغْفَر، وهو ما يستر به الرأس ليتقى به السهام. أما شرعًا: فالمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه، أي: إن الله يستر على العبد ذنبه فيما بينه وبين الخَلْق، ويتجاوز عنه فيما بينه وبين العبد، وهنا تتحقق الوقاية مع الإخفاء، لأنه إذا سُتِر عن الخَلْق، ثم عفي عنه من جانب الخالق ﷿، حصلت الوقاية بالعفو من الخالق، والثاني الستر بعدم إظهار الخلق عليها.
فداود ﵊ طلب من ربه أن يغفر له ما جرى منه ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا﴾ خَرّ بمعنى نزل من أعلى إلى أسفل، ومنه خرير الماء من الميزاب أو من الشلال. وقوله: ﴿رَاكِعًا﴾ حال من فاعل خرّ، ولكن المؤلف ﵀ فسر الركوع بالسجود، فقال: [أي: ساجدًا] وذلك لأن الركوع الذي هو الانحناء لا يمكن أن يكون فيه خرور، لأن الراكع