ومن عجيب أمرهم: تمحلهم الباطل في الاعتذار لتقديم المفضول على الفاضل وقولهم: إن العاقدين خافوا أن يلي الفاضل (1) عليهم فيرتد إلى الكفر قوم منهم لما في نفوسهم عليه من الأحقاد وما بينه وبينهم من الغوائل (2) والترات، فوجب تأخيره وتقديم من [هو] دونه ليؤمن [من] وقوع هذه الحال، وتسكن نفوس من يخاف منهم الارتداد، وينسون عند هذا الاعتذار ما قد أجمعوا معنا عليه، ولم يخالفونا (3) فيه، من أن الحكيم يجب أن يفعل أفضل الأمور وأعلاها، وأشرفها وأولاها، وإن ضل عندها من ضل، وكفر من كفر، كإرساله سبحانه الأنبياء (عليهم السلام) إلى من يعلم أنهم يقتلونهم ويزدادون في غيهم، وتبليغه أطفالا يعلم من حالهم أنهم يكونوا كفارا إذا بلغهم، وتكليفه قوما قد علم أنهم يضلون إذا كلفهم، فكيف صار من الحكمة والعدل فعل هذه الأمور، وإن ضل معها الجمهور؟ ومن الظلم والجور تقديم الفاضل على المفضول (4)، خوفا من ضلال قليل من كثير، وإلا انقادوا إلى هذا الفاضل، واتبعوا في ذلك الواجب فتكون الحجة على من خالف وعاند، فكيف نسوا (5) هذا الأصل الذي تحملوا باعتقاده (6) بين [أهل] العدل؟
أوليسوا مقرين بأن الله تعالى قد علم من قوم موسى (عليه السلام) أنهم يكفرون، إذا قدم
صفحه ۷۰