تميد تحت قدمى صاحب الرسالة الناشئ وهو ينظر إلى الأوهام السائدة، والممالك القائمة، والأحزاب المتألبة، ثم يبتسم فى قلة اكتراث ويقول قولة النبى العظيم قبيل موقعة حنين. وقد وصفت له تجمعات أعدائه وعدتهم: "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله "!! * * * أولى صفات صاحب الرسالة أنه يؤمن بنفسه، ويكفر بخصومه، ويغالى بفكرته، ويحقر ما عداها، ويزحزح غيره، ولا يتزحزح ألبتة، وينزل الناس على رأيه إن استطاع، ولا ينزل على آرائهم أبدا. ويثبت على شدة الكيد، ويصبر على مرارة الهزيمة، ويعيش فى وطن يعلى من دعوته إن نبا به وطنه، ويدوس الأمجاد الزائفة والدنيا الزائلة، ويستهزئ بعروضها، ولا تستخفه كثرة طلابها، ولا تفجعه قلة الزاهدين فيها. وفى حياة "محمد بن عبد الله " النبى الذى أدب العروبة ليؤدب بها الأم، والذى قدم للحياة رسالة لا تزال الإنسانية تتألق بها وتتأنق، وتشرف بها وتزدان.. فى حياة هذا النبى النبيل مثل عليا يفزع إليها صاحب كل رسالة فاضلة عادلة ليرتوى منها إذا صدى، ويسمد بها إذا شقى، وليقتبس منها دروسا مجدية فى طرائق الجهاد المضنى عندما يتجرد الحق إلا من إشراقه، ويتشدد الباطل لكثرة عدته وعتاده..!! بدأ هذا الرسول الكريم فوضع فواصل غليظة بين الحق الذى اهتدى إليه، وبين الباطل الذى توارث الناس العمل به والاحتكام إليه. إنه من ناحية العدد قليل بنفسه وإخوانه، وهؤلاء كثير بأنفسهم ونظمهم المألوفة وأفكارهم القديمة وأوضاعهم العتيدة. فلابد إذن من قطع كل أمل فى أن يتفق معهم أو يخضع لهم. لقد سلك نهجا غير الذى ألفوا، ولن يجمعه بهم طريق ما داموا على معتقداتهم الأولى. (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين). فى هذه السورة تسمع صرخة الحق العنيد عندما يفترض أن الباطل سيلج فى غوايته. وأن هذه اللجاجة لن تثنى لأصحاب الحق عزما، أو تقيد لهم قدما. وآيات هذه السورة ترمى إلى مجاهرة الكافرين بهذه الحقيقة الرائعة، وهى أن كتيبة الله ص _095
صفحه ۹۵