أصحاب الرسالات الرجل صاحب الرسالة يعيش لفكرته ويعيش فى فكرته..! فحياته فكرة مجسمة تتحرك بين الناس، تحاول أبدا أن تفرض على الدنيا نفسها، وأن تغرس فى حاضر الإنسانية جذرها ليمتد على مر الأيام والليالى فروعا متشابكة تظلل المستقبل وتتغلغل فيه... ومن ثم تبدأ الدعوات والنهضات الكبرى برجل واحد، هو- فى بداية أمره- أمة وحده. أمة يتخيل حقيقتها فى رأسه، ويحمس ضرورتها فى دمه، ويبشر بها فى كلامه، ويحمل أثقالها على كاهله. ولا يزال يجمع الرجل على الرجل، ويضم البيت إلى البيت، ويرسم المبدأ والوسيلة والهدف، وينفخ من روحه فيمن حوله.. فإذا الأمة التى كان يتخيلها وحده قد أصبحت حقيقة واقعة تطلع الشمس عليها، ويعترف الناس بها، ويسجل التاريخ قيامها. وهكذا بلغ النبيون رسالات ربهم، وصنعوا بأيديهم الأم التى انتقلت بها الإنسانية من طور إلى طور. وهكذا فعل العظماء من قادة الفكر الناضج، وأصحاب المذاهب الفعالة والتيارات العقلية الكاسحة. إن أحدهم يضع "تصميم " المجتمع الذى ينشده كما يرسم المهندس على الورق تصميم القصر الذى يريده... ثم لا يزال يرفع القواعد، ويشيد الشرفات، ويستحث الفعلة، ويستكمل الأدوات، حتى يستوى البناء قائما شامخا، عليه من روح منشئه طابع وبرهان. وإن أحدهم ليقول الكلمة فى الإبانة عن دعوته فتتلقفها النفوس والعصور تلقف الأرض الخصبة للحبة التى أودع الله فيها سر النماء والازدهار.. فإذا هذه الكلمة المرسلة تنشئ رجالا وتخلق أبطالا. بل تنشئ أجيالا وتزلزل جبالا. وإن أحدهم ليولد وفى الدنيا دول قائمة، وآراء سائدة، وتقاليد مقررة، وجماهير تحيا على ذلك وتموت، كأنها فقاعات الموج، تظهر وتختفى. لا وزن لها ولا غناء.. فإذا الدنيا ص _094
صفحه ۹۴