ونرى في لفظ الحديث أن كل رجل من هؤلاء الذين مثلوا رواية الإنسانية الفاضلة في فصولها الثلاثة، لا يقول إنه فعل ما فعل من صالح أعماله إلا (ابتغاء وجه الله)، وقد تطابقوا جميعًا على هذه الكلمة، وهي من أدق ما في فلسفة الإنسانية في شعرها ذلك، فإن معناها أن الرجل في صالح عمله إنما كان مجاهدًا نفسه، يمنعها ما تحرص عليه من حظها أو لذتها أو منفعتها، أي: منخلعًا من طبيعته الأرضية المنازعة لسواها، المنفردة بذاتها، متحققًا بالطبيعة السماوية التي لا يرحم الله عبدًا إلا بها، وهي: رحمة الإنسان غيره (١)، أي: اندماجه
_________
(١) عن جرير بن عبد الله ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن لا يَرْحَمِ النَّاسَ، لا يَرْحَمْهُ اللهُ ﷿» أخرجه البخاري في "صحيحه" (٦٠١٣، ٧٣٧٦)، ومسلم في "صحيحه" (٢٣١٩)، واللفظ له.
1 / 42