كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الذنب لغيره، فلهذا المعنى وجب عليهم أن يطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم. (الثاني): أن القوم لما لم يرضوا بحكم الرسول ظهر منهم ذلك التمرد، فإذا تابوا وجب عليهم أن يفعوا ما يزيل عنهم ذلك التمرد، وما ذاك إلا بأن يذهبوا إلى الرسول ﷺ ويطلبوا منه الاستغفار. اهـ.
وقال أبو السعود: جاءوك من غير تأخير، كما يفصح عنه تقديم الظرف متوسلين بك في التنصل عن جناياتهم القديمة والحادثة، ولم يزدادوا جناية على جناية بالقصد إلى سترها بالاعتذار الباطل، والأيمان الفاجرة، فاستغفروا الله بالتوبة والإخلاص، وبالغوا في التضرع إليك حتى انتصبت شفيعًا لهم إلى الله تعالى واستغفرت لهم. اهـ.
وقال في المدارك١: ولو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول لوجدوا الله توابًا. اهـ. وقال البيضاوي: فاستغفروا الله بالتوبة والإخلاص، واستغفر لهم الرسول واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعًا. اهـ.
وقد علم من تلك العبارات أن عامة أهل التفسير قد فهموا من الآية أن استغفار الرسول يكون بعد استغفارهم. وأما ما قال السبكي في شفاء الأسقام: وليس في الآية ما يعين أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم بل هي محتلمة والمعنى يقتضي بالنسبة إلى استغفار الرسول أنه سواء تقدم أم تأخر فإن المقصود إدخالهم بمجيئهم واستغفارهم تحت من يشمله استغفار الرسول ﷺ، وإنما يحتاج إلى المعنى المذكور، إذا جعلنا ﴿وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُول﴾ . معطوفًا على ﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ﴾ أما إن جعلناه معطوفًا على ﴿جَاءُوك﴾ لم يحتج إليه. هذا آخر ما في الشفاء٢، ففيه نظر من وجوه:
(الأول) أن عامة المفسرين قد فهموا من الآية أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم، فالقول بأن ليس في الآية ما يعين أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم تخطئة للجمهور ومخالفة لهم.
_________
١ هو تفسير النسفي.
٢ أي شفاء السقام للسبكي.
1 / 30