وردت في شأن المنافقين، فالاستغفار الذي فعله ﷺ بامتثال قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ . لا يكون شاملًا للاستغفار لأهل النفاق، بل قد نهى الله تعالى رسوله ﷺ عن الاستغفار للمنافقين فقال تعالى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ . وقال تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ . وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ﴾ . فلا بد من أن يراد باستغفار الرسول -الذي ورد في شأن المنافقين- غير ما ورد في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ . فإن المنافقين داخلون في آية: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ . دخولًا أوليًا، وإن سلم دخول غيرهم فيها بعموم العلة وما ضاهاه دخولًا ثانويًا.
وههنا نظر وعنه جواب فتأمل. وهكذا فهم جمهور أهل التفسير من الاستغفار الاستغفار الخاص ولم يقل أحد منهم إن الاستغفار العام يكفي هاهنا، قال الشوكاني ﵀ في فتح القدير: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ . بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك ﴿جَاءُوك﴾ متوسلين إليك متنصلين عن جناياتهم ومخالفاتهم ﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ﴾ . لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعًا فاستغفرت لهم.
وقال الإمام الرازي في مفاتيح الغيب: يعني أنهم عندما ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت والفرار من التحاكم إلى الرسول جاءوا الرسول وأظهروا الندم على ما فعلوه وتابوا عنه واستغفروا منه واستغفر لهم الرسول بأن يسأل الله أن يغفر لهم عند توبتهم: ﴿لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ . انتهى.
وقال أيضًا (المسألة الثانية) لقائل أن يقول: أليس لو استغفروا الله وتابوا على وجه صحيح لكانت توبتهم مقبولة؟ فما الفائدة في ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم؟
(قلنا) الجواب عنه من وجوه: (الأول) أن ذلك التحاكم إلى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله، وكان أيضًا إساءة إلى الرسول ﷺ وإدخالًا للغم في قلبه، ومن
1 / 29