وقوله تعالى في سورة الفتح: ﴿سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ . وقوله تعالى في سورة المنافقين: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ .
فإن هاتين الآيتين تدلان على أن المسلمين كانت عادتهم أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة جاء إلى النبي ﷺ فيقول: يا رسول الله فعلتُ كذا وكذا فاستغفر لي، وكان هذا فرقًا بينهم وبين المنافقين، وهذا الاستغفار كان غير ما أُمر به ﷺ في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ .
وأما السنة فما روي عن كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك في حديث طويل فيه: فلما قيل إن رسول الله ﷺ قد أظل قادمًا زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله ﷺ قادمًا -وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس- فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فقبل منهم رسول الله ﷺ علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، وفي ذلك الحديث: وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله ﷺ، بما اعتذر به المخلفون قد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله ﷺ. وفي ذلك الحديث قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله ﷺ أمرنا حتى قضى الله فيه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ للبخاري، فعلم من هناك أنه كان من عادته ﷺ أنه إذا جاءه مذنب وتاب واستغفر يستغفر له النبي ﷺ استغفارًا مستأنفًا، ولا يقنع بالاستغفار العام.
على أن الله تعالى أمر رسوله ﷺ في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ . بالاستغفار لأهل الإيمان، وآية أخرى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾ . الآية.
1 / 28