عبيد بن الأبرش وقبيصة بن نعيم وكان في بني أسد مقيما وكان ذا بصيرة بمواقع الأمور وردا وإصدارا يعرف ذلك له من كان محيطا بأكناف بلده من العرب. فلما علم امرؤ القيس بمكانهم أمر بإنزالهم وتقدم بإكرامهم والإفضال عليهم واحتجب عنهم ثلاثا. فسألهم من حضرهم من رجال كندة. فقال: هو في شغل بإخراج ما في خزائن أبيه حجر من السلاح والعدة. فقالوا: اللهم غفرا إنما قدمنا في أمر نتناسى به ذكر ما سلف ونستدرك به ما فرط فليبلغ ذلك عنا. فخرج عليهم في قباء وخف وعمامة سوداء وكانت العرب لا تعتم بالسواد إلا في الترات. فلما نظروا إليه قاموا له وبدر إليه قبيصة: إنك في المحل والقدر والمعرفة بتصرف الدهر وما تحدثه أيامه وتنتقل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظ ولا تذكرة مجرب ولك من سودد منصبك وشرف أعراقك وكرم أصلك في العرب محتمل يحتمل ما حمل عليه من إقامة العثرة ورجوع عن هفوة. ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح في الذي كان من الخطب الجليل الذي عمت رزيته ترارا واليمن ولم تخصص كندة بذلك دوننا للشرف البارع. كان لحجر التاج والعمة فوق الجبين الكريم وإخاء الحمد وطيب الشيم. ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا على مثله ببذل ذلك ولفديناه منه. ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه ولا يلحق أقصاه أدناه فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال. إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا وأعلاها في بناء المكرمات صوتا فقدناه إليك بنسعه يذهب مع شفرات حسامك تنائي قصيدته فقول: رجل امتحن بهلك عزيز فلم تستل سخيمته إلا بتمكينه من الانتقام. أو فداء بما يروح من بني أسد من نعمها فهي ألوف تجاوز الحسبة فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانها لم يردده تسليط الأحن على البراء. وأما إن توادعنا حتى تضع الحوامل فنسدل الأزر ونعقد الخمر فوق الرايات. _قال (فبكى امرؤ القيس ساعة ثم رفع رأسه. فقال: لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم وأني لن اعتاض به جملا أو ناقة فاكتسب بذلك سبة الأبد وفت العضد. وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها ولن أكون لعطبها سببا وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك تحمل القلوب حنقا. وفوق الأسنة علقا (من المتقارب) :
إذا جالت الخيل في مأزق ... تدافع فيه المنايا النفوسا
أتقيمون أم تنصرفون. قالوا: بل ننصرف باسوأ الاختيار. وأبلى الاجترار لمكروه
صفحه ۱۶