فنقول نحن إنك تعرف مما تقدم لك أن النفس ليست بجسم، فإن ثبت لك أن نفسا ما يصح لها الانفراد بقوام ذاتها لم يقع لك شك فى أنها جوهر، وهذا إنما يثبت لك فى بعض ما يقال له نفس، وأما غيره مثل النفس النباتية والنفس الحيوانية فإن ذلك لا يثبت لك فيه، لكن المادة القريبة لوجود هذه الأنفس فيها إنما هى ما هى بمزاج خاص وهيئة خاصة وإنما تبقى بذلك المزاج الخاص بالفعل موجودا ما دام فيها النفس، والنفس هى التى تجعلها بذلك المزاج فإن النفس هى لا محالة علة لتكون النبات والحيوان على المزاج الذى له إذ كانت النفس هى مبدأ التوليد والتربية كما قلنا، فيكون الموضوع القريب للنفس مستحيلا أن يكون هو ما هو بالفعل إلا بالنفس، وتكون النفس علة لكونه كذلك، ولا يجوز أن يقال إن الموضوع القريب حصل موجودا على طباعه وكان ذلك بسبب غير النفس ثم لحقته النفس لحوق ما لا قسط له بعد ذلك فى حفظه وتقويمه وتربيته كالحال فى أعراض يتبع وجودها وجود الموضوع لها اتباعا ضروريا ولا تكون مقومة لموضوعها بالفعل، وأما النفس فإنها مقومة لموضوعها القريب موجدة إياه بالفعل كما تعلم الحال فى هذا إذا تكلمنا فى الحيوان، وأما الموضوع البعيد فبينه وبين النفس صور أخرى تقومه، وإذا فارقت النفس وجب ضرورة أن يكون فراقها يحدث لغالب صير الموضوع بحالة أخرى وأحدث فيه صورة جمادية كالمقابلة للصورة المزاجية الموافقة للنفس ولتلك الصورة، فالمادة لا تبقى بعد النفس على نوعها البتة بل إما أن يبطل نوعها وجوهرها الذى به كان موضوعا للنفس أو تخلف النفس فيها صورة تستبقى المادة بالفعل على طبيعتها، فلا يكون ذلك الجسم الطبيعى كما كان بل تكون له صورة وأعراض أخرى ويكون قد تبدل أيضا بعض أجزاءها وفارق مع تغير الكل فى الجوهر، فلا تكون هناك مادة محفوظة الذات بعد مفارقة النفس هى كانت موضوعة للنفس والآن هى موضوعة لغيرها فإذن ليس وجود النفس فى الجسم كوجود العرض فى الموضوع، فالنفس إذا جوهر لأنها صورة لا فى موضوع،
صفحه ۲۹