وأما الذين جعلوا النفس جسما يتحرك بحركته المستديرة التى يتحركها على الأشياء ليدرك بها الأشياء فسنوضح بعد فساد قولهم حين نبين أن الإدراك العقلى لا يجوز أن يكون بجسم، وأما الذين جعلوا النفس مزاجا فقد علم فيما سلف بطلان هذا القول، وعلى أنه ليس كل ما تفسد بفساده الحياة يكون نفسا، فإن كثيرا من الأشياء والأعضاء والأخلاط وغير ذلك بهذه الصفة، وليس بمنكر أن يكون شىء لا بد منه حتى تكون للنفس علاقة بالبدن ولا يوجب ذلك أن يكون ذلك الشىء نفسا، وبهذا يعلم خطأ من ظن أن النفس دم، فكيف يكون الدم محركا وحساسا، والذى قال إن النفس تاليف فقد جعل النفس نسبة مقولة بين أشياء، فكيف تكون النسبة بين الأضداد محركا ومدركا، والتأليف يحتاج إلى مؤلف لا محالة، فذلك المؤلف أولى أن يكون هو النفس، وهو الذى إذا فارق وجب انتقاض التاليف، ثم سيتضح فى خلال ما نعرفه من أمر النفس بطلان جميع هذه الأقاويل بوجوه أخرى، فيجب الآن أن نكون نحن وراء طلب طبيعة النفس، وقد قيل فى مناقضة هذه الآراء أقاويل ليست بالواجبة ولا اللازمة وإنما تركناها لذلك،
فصل 3 (فى أن النفس داخلة فى مقولة الجوهر)
صفحه ۲۷