ولقائل أن يقول إن المادة، وإن كانت مستعدة، فإنها لا تخرج إلى الفعل إلا عن قوى تقوى على إخراجها إلى الفعل. فإن المتوسط مستعد أيضا للانحراق الأشد. والماء مستعد للتسخن الأشد، ولا كيفية ذلك ما لم يكن قوة تقوى عليه، لأنه مستعد لأمر عن علة فاعلة ذات قوة محدودة. فإذا كانت القوة ليس لها أن تسخن أكثر من حد، أو يحرق أكثر من حد، لم يكف استعداد المادة.
فنقول: إن تصور ما قلناه، على الحقيقة، يغنى عن إيراد هذا الشك؛ وذلك لأن القوة إذا كان من شأنها أن تسخن، ووجد القابل المستعد بلا معاوقة، استحال أن لا يسخن، وأن لا يقوى على أن لا يسخن. فهذه القوة، بعد أن وجدت منها السخونة، لم يبطل عنها أنها توجد السخونة فى القابل للتسخن عنها كل وقت. ووجود ما وجد من السخونة المقدرة عنها لا يمنع القابل عن أن يكون قابلا للسخونة. وكذلك السخونة الموجودة فيها من شأنها أن توجد السخونة فى أى مادة لاقتها قابلة للسخونة ولا مانع لها.
فإذا كانت المادة الخارجة تسخن عن تلك السخونة فالمادة الملاقية أولى لا محالة. فيجب أن يحدث عن القوة فى المادة، بعدما حدث من السخونة، سخونة زايدة، فى طباعها أن تقبلها، وفى طباع القوة والسخونة أن تحدثها، لا من حيث هى زيادة أولية، بل من حيث هى سخونة ..فإن تلك الزيادة سخونة، لا شىء آخر، كما أن لو سخنا آخر انضاف إليه لكان يفيد سخونة.
صفحه ۱۷۹