قال ارسطو وايضا فانه لا يمكن ان يكون ما له ابتداء من اعلاه يمر الى اسفل بغير نهاية فيكون مثلا من النار ماء ومن الماء ارض وكذلك يحدث جنس عن جنس دائما بلا نهاية وذلك ان الشىء يكون من الشىء على جهتين لا على طريق ما يقال ان الشىء كان بعد الشىء بمنزلة ما يقال ان الضباب من البخار لكن بمنزلة ما يقول احدنا ان الصبى كان منه رجل والثانى ان يكون من الماء هواء فاما قولنا انه يكون من الصبى رجل فانما يذهب فيه انه يكون من الشىء الذى سيكون الشىء الذى قد كان وفرغ او من الشىء الذى سيتم الشىء الذى قد تم وفرغ وذلك انه كما ان بين الوجود والعدم التكون كذلك ما هو متكون فهو دائما بين ما هو موجود وبين ما هو معدوم فان المتعلم هو كائن عالما والى هذا المعنى يذهب فى قولنا يكون من المتعلم عالم واما قولنا انه يكون من الهواء ماء وذلك بان يفسد الاخر يعنى الهواء ولذلك لا ترجع الاشياء التى تلك حالها بعضها الى بعض ولا يكون من الرجل صبى وذلك انه ليس يكون من الكائن ما سيكون لا كن انما يكون بعد الكائن الشى الذى يقال انه سيكون فعلى هذا المثال يكون النهار من الغداة لانه بعدها ولذلك لا يقال انه تكون الغداة من النهار فاما سائر الاشياء فيرجع بعضها الى بعض وعلى هاتين الجهتين جميعا لا يمكن ان تمر الاشياء الى غير نهاية وذلك ان الاشياء التى فيما بين شيئين يجب ضرورة ان يكون لها نهاية واما هذه الاشياء فترجع بعضها الى بعض وذلك ان فساد احدهما هو كون صاحبه ومع ذلك ايضا لا يمكن ان يكون الاول وهو ازلى يفسد وذلك انه لما كان التكون من جهة اعلاه ليس يمر الى غير نهاية فيجب ان يكون الاول الذى لما ان فسد حدث شىء اخر ليس بازلى التفسير انه لما فرغ من البرهان على تناهى الاسباب المحركة المتحركة يريد ايضا ان ياتى بالبرهان العام على تناهى الاسباب المادية التى هى مختلفة بالنوع ولما كان المعلوم من امر الاسباب المحركة ان لها اخيرا وانما المطلوب منها هل لها ابتداء من اعلاها وكان الامر فى الاسباب المادية بخلاف هذا اعنى ان لها مبدا من اعلاها وانما المطلوب هل لها منتهى اخير ام ليس لها منتهى اخير قال وايضا فانه لا يمكن ان يكون ما له ابتداء من اعلاه يمر الى اسفل بغير نهاية فيكون مثلا من النار ماء ومن الماء ارض وكذلك يحدث جنس عن جنس دائما بلا نهاية يريد وايضا فان الكون لما كان ظاهرا من امره انه من جهة اعلاه يكون متناهيا فليس يمكن ان يكون للشىء الذى تم كونه وفرغ مبدأ هيولانى ولذلك المبدأ مبدأ اخر هيولانى مخالف له ويمر الامر الى غير نهاية حتى لا يوجد له اخير مثل ان تكون النار متكونا لا يتكون منه شىء غيره وتكون تكونت هى من الهواء والهواء من الماء والماء من الارض ويمر الامر هكذا فى اجسام تخالف بعضها بعضا بالصورة الى غير نهاية. ولما وضع هذا المعنى شرع فى البرهان عليه فقال وذلك ان الشىء يكون من الشىء على جهتين لا على طريق ما يقال ان الشىء كان بعد الشىء بمنزلة ما يقول احدنا الضباب من البخار لاكن بمنزلة ما يقول احدنا ان الصبى كان منه رجل والثانى ان يكون من الماء هواء يريد والبرهان على ان المواد متناهية ان الشىء يقال انه يتكون من شىء على وجهين احدهما كما نقول ان الصبى يكون منه رجل لا كما نقول ان الشىء يكون بعد الشىء كقولنا من البخار ضباب اى بعد البخار والثانى ان يكون الشىء من الشىء مثل قولنا ان من الهواء يكون الماء ثم اخذ يشرح هذا النحو من الكون فقال فاما قولنا انه يكون من الصبى رجل فانما يذهب فيه الى انه يكون من الشىء الذى سيكون الشىء الذى قد كان وفرغ ومن الشىء الذى سيتم الشىء الذى قد تم وفرغ يريد فاما قولنا يكون من الصبى رجل فانما نذهب فيه الى انه يكون من الشىء الناقص الذى سيكمل الشىء الكامل وهو الذي دل عليه بقوله من الشىء الذى سيكون الشىء الذى قد كان وفرغ˹ ولما ذكر ان الكون انما هو مما يتكون لا مما كان وفرغ اخذ يحتج لذلك فقال وذلك انه كما ان بين الوجود والعدم التكون كذلك ما هو متكون فهو دائما بين ما هو موجود وبين ما هو معدوم يريد وانما كان الكون من الذى يتكون اى الذى فى طريق الكون لان الموجود الذى بالفعل وهو الذى فرغ كونه يقابل فى الحقيقة للعدم والعدم ليس يمكن ان يكون منه كون اى ليس يمكن ان يكون هو المتكون ولا ايضا ما فرغ كونه يمكن ان يكون هو المتكون فواجب ان يكون المتكون هو الذى وجوده وسط بين العدم والوجود بالفعل وهو الموجود فى طريق الكون وهو المتكون ثم اتى بمثال هذا فقال فان المتعلم هو كائن عالما والى هذا المعنى يذهب فى قولنا يكون من المتعلم عالم يريد ومثال ذلك ان العالم هو الذى نقول فيه انه كان من المتعلم ولا نقول ان العالم كان من نفسه ولا من عدم العلم بل من المتوسط بين العلم والجهل الذى هو عدم العلم وهو المتعلم وهو معنى قولنا ان العالم الذى قد صار عالما كان من الذى سيكون عالما اى الذى يصير الى العلم وهو المتعلم ولما ذكر هذا الضرب من الكون ذكر الضرب الثانى فقال واما قولنا انه يكون من الهواء ماء وذلك بان يفسد الاخر يعنى الهواء يريد واما قولنا ان شيئا يكون بالفعل من شىء آخر بالفعل فانما يذهب انه يكون من الهواء ماء فانا انما نذهب فيه الى انه يكون من الهواء الفاسد ماء من جهة ما يفسد الهواء لا من جهة ما هو لابث ولا من طريق الذى هو فى طريق الكون مثل قولنا يكون من المتعلم عالم ثم قال ولذلك لا ترجع التى تلك حالها بعضها الى بعض ولا يكون من الرجل صبى وذلك انه ليس يكون من الكائن ما سيكون لا كن انما يكون بعد الكائن الشىء الذى يقال فيه انه سيكون فعلى هذا المثال يكون النهار من الغداة لانه بعدها ولذلك لا يقال انه تكون الغداة من النهار يريد وانما لم ينعكس الكون فى الضرب الاول من الكون كما انعكس فى الضرب الثانى لانه لو كان من الرجل صبى لكان ما سيكون من الذى هو كائن اعنى كان يكون الناقص من التام وذلك مستحيل ثم قال وعلى هاتين الجهتين جميعا لا يمكن ان تمر الاشياء الى غير نهاية يريد وعلى هذين النحوين من الكون لا يمكن ان يمر الكون الى غير نهاية ثم اتى بالسبب فى ذلك فقال وذلك ان الاشياء التى فيما بين شيئين يجب ان يكون لها نهاية واما هذه الاشياء فترجع بعضها الى بعض وذلك ان فساد احدهما هو كون صاحبه يريد وذلك ان النوع من التكون الذى هو التغير من عدم الشىء الى وجوده اعنى الذى يتغير من القوة الى الفعل لما كان بين شيئين متناهيين وهو العدم والوجود وجب ضرورة ان يكون ما بينهما متناهيا واما النوع الاخر الذى يقول فيه ان الكائن يكون فيه الذى فى طريق الفساد فانها ترجع بعضها الى بعض فتستدير ولا تمر على استقامة والمستديرة متناهية ضرورة مثال ذلك ان يكون من الارض ماء ومن الماء هواء ومن الهواء نار ثم ينعكس الامر فيكون من النار هواء ومن الهواء ماء ومن الماء ارض فلا يزال الكون دورا ولا كن فى اشياء متناهية ومثل هذا يعرض فى المركبات من الاسطقسات اعنى ان التى تتركب من الاسطقسات تتركب منها حينا وتنحل اليها حينا ثم قال ومع ذلك لا يمكن ان يكون الاول وهو ازلى يفسد يريد وايضا فان جعلنا كون بعضها من بعض على هذه الصفة على استقامة لزم ان يكون فيها اول ازلى وان يكون مع هذا فاسدا ثم اتا بالسبب فى ذلك فقال وذلك انه لما كان التكون من ناحية اعلاه ليس يمر الى غير نهاية فيجب ضرورة ان يكون الاول الذى لما ان فسد حدث شئ اخر ليس هو بازلى يريد وذلك انه لما كنا نجد التكون ليس يمر من اعلاه الى غير نهاية اذ نجده مثلا ينتهى فى الاجسام البسيطة الى النار وجب ضرورة ان يكون لتكون الاسطقسات واحد من آخر مبدا اول لا يتكون من شىء وذلك انه لو لم يكن هناك مبدا اول لم يكن هنالك انقضاء وذلك ان المبدا انما يفهم لمنقض والمنقضى هو ضرورة مبتدء لان ما لا يبتدى لا ينقضى لا كن هنالك انقضاء فهاهنا اذا مبدا اول وما ليس له مبدا اول فهو ازلى ضرورة فليكن هذا هو الارض مثلا او ما هو اقدم من الارض لكن لما كان كل واحد من هذه ليس يتكون منه شىء الا بفساده وجب ضرورة ان يكون هذا المبدا الاول اذا تكون منه شىء فسد واذا فسد لم يكن ازليا وقد كنا فرضناه ازليا هذا خلف لا يمكن
[8] Textus/Commentum
صفحه ۳۰