الشرح: أما تعلق هذا الفصل بما A قبله فظاهر لأن في المتقدم أوجب الاستفراغ قبل البحران، فبين هنا أن ذلك ليس في كل بحران فإن البحران الكامل لا يجوز أن يستفرغ لا قبله ولا بعده، وسنحقق هذا، ونقول: البحران في لغة اليونان هو الفصل في الخطاب وهو الانفصال الذي يقع بين المتحاكمين عند الحكام، وأما الأطباء فنقلوا لفظة البحران إلى الانفصال الواقع بين المرض والطبيعة، إلا أنهم لا يمكن أن يرسموه بهذا الانفصال لأنه غير معلوم، لكنه يلزمه تغير عظيم إلى موت أو صحة، وهذا التغير معلوم فرسموه بأنه تغير عظيم يحدث في المرض إما إلى صحة وإما إلى عطب، وقد شبه البدن بالمدينة، والطبيعة بالسلطان المحامي عنها، والمرض بالعدو الباغي عليها، والبحران بيوم القتال المفصل، وكما أن يوم القتال لابد فيه من أمور هائلة مثل الغبار والصراخ وسيلان الدماء، كذلك البحران لابد فيه من اضطراب المريض وقلقه وربما عرض له مثل خيالات وتباريق وسيلان، مثل عرق أو رعاف أو إسهال. وكما B أن السلطان المحامي إذا ترك الباغي تأهب للقائه بإصلاح العدد وغير ذلك، كذلك الطبيعة تتاهب ليوم البحران بالنضج وتفتيح المجاري وما أشبه ذلك. وكما أنه إذا وقع القتال فقد يقهر المحامي للباغي قهرا تاما يستأصل به شوكته، وقد يقهره قهرا يتمكن من أخذ شأفته بالكلية بقتال آخر، وقد يقهره قهرا يهزمه عن فريقة المدينة إلى بعض نواحيها. وقد يغلب الباغي للسلطان المحامي غلبة (37) يستولي بها على المدينة بالكلية، وقد يغلبه غلبة يمكنه أخذها منه بقتال آخر. وكذلك يوم البحران قد تقهر الطبيعة المرض وتدفعه بالتمام، وينبغي أن يكون هذا هو المراد بالبحران الكامل لما ستعلمه. وقد تقهره قهرا يمكنها دفعه بالتمام ببحران آخر، وهو البحران الناقص. وقد تقهره قهرا بحيث تدفعه عن القلب والأعضاء الرئيسية إلى بعض الأطراف، وهو بحران الانتقال. وقد يغلب المرض الطبيعة فيستولي على البدن فيفسده، إما بذلك البحران نفسه A أو ببحران ىخر وهو البحران الرديء. قوله: "لا ينبغي أن تحرك" يريد: ينبغي أن لا تحرك؛ ويعني بالتحريك نقل مادة المرض من عضو إلى آخر، كالجذب بالمحاجم وغيرها. ويعني بالتهييج، كالقئ والترعيف والإدرار والتعريق. وقد جرت العادة بأن يسمى البحران الذي ينقضي به المرض، سواء كان باستفراغ أو بانتقال، بحرانا تاما، فيجب حينئذ أن يكون مراده بالبحران الذي على الكمال ما هو أخص من التام، وهو الذي ينقضي فيه باستفراغ؛ وذلك لأن بحران الانتقال يجب فيه الاستفراغ والتحريك والتهييج، لأن المادة إذا انصبت إلى عضو بعد بحران الانتقال أو علم قبل حدوث البحران أنها تنصب إليه، وجب أن تنقص المادة، بل وإن أمكن أن تستأصل وجب استئصالها، وذلك إما بالإسهال أو بشيء من أنواع التهييج، وقد يجب نقلها إلى عضو أحسن مما انتقلت إليه أو مما ستنتقل إليه. وأما البحران الذي يجب أن لا تفعل فيه ذلك فهو البحران B الذي يدفع فيه المرض بالاستفراغ دفعا تاما لأن البدن ينقى من مادة المرض بعد ذلك البحران، فلا حاجة إلى شيء من ذلك بعده ولا قبله أيضا لأن فيه كفاية. وفعل الطبيعة أفضل من الفعل الصناعي، ولأنه إن وقع الفعل الصناعي موافقا للفعل الطبيعي أفرط وأوجب ضعف المريض، وإن وقع مضاد الحركة فعل الطبيعة شوش وعسر فعله أو أبطله، وهذا هو البحران المحمود، فيجب أن يكون بعد تمام النضج وفي يوم محمود من أيام البحران فيكون لا محالة قد أنذر به يومه.
[aphorism]
قال أبقراط: الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ، يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي لها أميل بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها.
[commentary]
صفحه ۵۷