الشرح: جرت عادة أبقراط إذا أراد أن ينتقل من الكلام في فن إلى فن آخر أن يذكر بينهما فصلا مشتركا بين الفنين ليكون الكلام متسقا، ففي أول المقالة لما أراد النقلة عن الكلام في الاستفراغ إلى الكلام في التغذية ذكر فصلا مشتركا بينهما وهو: "خصب البدن المفرط لأصحاب A الرياضة خطر" فقال فيه: "وكل استفراغ أيضا هو عند الغاية القصوى فهو خطر" وكذلك فعل هاهنا، وربما ظن أن أول هذا الفصل قد تكرر لقوله أولا "وإذا كان للحمى أدوار فامنع من الغذاء أيضا في أوقات نوائبها" وليس كذلك فإنه كان كلامه أولا في قوانين كمية التغذية وفي أوقات المنع منها، وكلامه الآن في عدد مرات ما يستعمل، فكأنه قال: وينبغي أن يكون عدد استعمال الغذية عددا لا يقع منه شيء في أوقات النوب، فإن في ذلك الوقت يجب فيه منع الغذاء. وأيضا فإن كلامه هاهنا عام للغذاء وغيره؛ لأنه قال فلا ينبغي في أوقاتها أن تعطي المريض شيئا، وهذا لا يتعين أن يكون غذاء، بل ولا ينبغي أيضا أن يعطى دواء مسهلا. فإن قيل: فإذا كان هذا لما يعم الغذاء وغيره، ففيه كفاية ولا حاجة إلى الفصل الأول. قلنا: احتاج إلى ذكر كل واحد منهما لغرض، أما الأول فلتعديد الأحوال التي يجب فيها منع B الغذاء. وأما الثاني فليتبين أن ما يجب استعماله من أعداد مرات التغذية يكون واقعا في وقت الراحة. ونقول: كل حمى فإما أن لا تكون لها نوبة كالمطبقة والدق وغيرهما، وهذه لا يختلف الحال في التغذية فيها من جهة الحمى ، بل ينبغي أن نجعل وقت التغذية هو الوقت الأبرد من النهار والوقت الذي جرت عادة الأصحاء باستعمال الغذاء فيه. وإما أن تكون لها نوبة، فإما أن لا تكون لازمة لدور، أي لطريقة واحدة، وحينئذ لا يمكن الوقوف على الوقت الذي ينبغي أن يطعم المريض فيه؛ وإما أن تكون لازمة لدور فحينئذ ينبغي أن لا يطعم المريض وقت النوبة وخصوصا في أولها، ولا عند قرب مجيء النوبة. وقد بينا هذا في فصل: "وإذا كان للحمى أدوار فامنع من الغذاء أيضا في وقت نوائبها" وكذلك المسهل في وقت النوبة لئلا يجتمع على الطبيعة مضعفان، الإسهال والنوبة. وكذلك الفصد، إلا أن الفصد أقل A ضررا، لأنه لا يلزمه مع الاستفراغ تحريك عنيف، ويلزم ذلك الاستفراغ بالأدوية، وخصوصا وأكثر الأدوية المسهلة حارة. قوله: "أو تضطره إلى شيء" أي إلا أن يضطره إلى شيء من ذلك، أي من التغذية والاستفراغ، فإن لفظة أو قد تستعمل بمعنى "إلا" يقال: لا تكون الشمس طالعة أو يكون النهار موجودا. قوله: "لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل أوقات الانفصال" قد فهم من وقت الانفصال وقت الانفصال من النوبة، وهذا لا يصح لأن التنقيص استفراغ، وقد بينا وجوب المنع من الاستفراغ في وقت النوبة، إلا أن يقال أنه يكون الاستفراغ قبل النوبة فحينئذ لا يحسن أن يقال: من قبل أوقات الانفصال، بل من قبل وقت أوقات النوائب. وفهم من وقت الانفصال وقت المنتهى، وهذا لا يدل عليه اللفظ. وفهم من وقت الانفصال البحران، وهذا هو الذي يظهر لي؛ وذلك لأن البحران في لغة اليونان هو B الفصل في الخطاب، وهو الانفصال الذي يقع بين المتحاكمين في مجلس الحكم، ثم نقله الأطباء إلى الانفصال الذي يقع بين الطبيعة والمرض، فكأنه قال: لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل وقت البحران. والزيادات هي الأخلاط الزائدة على المجرى الطبيعي، ولا شك أن تلك هي مادة المرض إذ لو كانت المواد على ماهو الجاري في الطبع لم يحدث مرض مادي. وإنما ينبغي أن تنقص هذه قبل البحران لتقوى الطبيعة على المرض بتنقيص مادته فيكون استيلاء الطبيعة على الباقي أكثر من استيلائها على الكل. وينبغي أن يكون المراد هاهنا بالبحران البحران الناقص، لأنه سينهى عند الاستفراغ والتحريك حيث البحران كاملا.
[aphorism]
قال أبقراط: الأبدان التي يأتيها أو قد أتاها بحران على الكمال، لاينبغي أن تحرك ولا أن يحدث فيها حادث بدواء مسهل ولا بغيره من التهييج ، لكن تترك.
[commentary]
صفحه ۵۵