الشرح: أما وجه تعلق هذا الفصل بالفصول المتقدمة فظاهر، وذلك لأن الغذاء يختلف تقديره في القلة والكثرة والغلظ بحسب اختلاف كون المرض مزمنا، أو قليل الحدة، أو حادا مطلقا، أو حادا جدا، A أو في الغاية؛ وذلك هو مرتبة المرض. وكذلك بحسب نوائبه، فإنه يمنع أويقلل يوم النوبة ويكثر يوم الراحة. وكذلك بحسب نظامه، ويفسر جالينوس النظام بكون المرض حادا جدا، أو في الغاية، أو بقول مطلق. ويجوز تفسيره بغير ذلك وهو كون أدوار المرض وبحارينه وغير ذلك في الأوقات التي تقتضيها طبائع الأمراض في العادة، وذلك لأن المرض إذا كان منتظما كنا عالمين بوقت الراحة وبمقدار طولها وقصرها وطول النوبة وقصرها، فعندما يتوقع قرب الراحة يمنع الغذاء، وعندما يتوقع بعد النوبة يكثر الغذاء. وإذا توقعنا قرب مجيء النوبة منعنا الغذاء أو قللناه فوجب ضرورة أن نعرف العلامات الدالة على كل واحد من ذلك، ليمكن إذا عرفناه أن نعمل بمقتضاه؛ وقد مضى الكلام في كل واحد من ذلك وتقدير الغذاء بحسبه إلا النظام، والسبب في تركه ظهور تقدير الغذاء بحسبه لمن عرف القوانين B المذكورة. وأقسام العلامات الدالة على ذلك أربعة؛ لأن تلك العلامات إما أن تكون هى الأمراض أنفسها، أو لا تكون. والثاني إما أن لا تكون مختصة بالأمراض كأوقات السنة وفي حكمها السن والبلد والعادة وغيرها، أو تكون مختصة إما بالأحوال الجزئية للأمراض كتزيد الأدوار، أو تكون مختصة بالأحوال الكلية للأمراض كالعلامات الدالة على البحران وعلى النضج، وتسمى هذه الأشياء التي تظهر من بعد؛ لأن حدوث ذلك في أول المرض محال، لأن النضج يتبع استيلاء الطبيعة على المادة، ولو كانت الطبيعة مستولية في أول المرض لم يحدث. فلنفصل الكلام في واحد واحد من هذه الأربعة، ونبين دلالته على كل واحد من الأشياء الثلاثة، وهى نوائب المرض، ونظامه، ومرتبته: الصنف الأول: وهو الأمراض أنفسها، ويدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته، لأن المرض إذا كان حمى غب A خالصة دل على أنه ينوب يوما ويوما لا، وأنه يكون منتظما، وأنه أطول ما يكون ينقضي في سبعة أدوار. وكذلك فاعرف الحال في الربع وفي أمراض أخرى. الصنف الثاني: الأشياء التي لا تختص بالأمراض بل توجد معها ومع الصحة، وهذه الأمراض كالأعراض العامة، وذلك كأوقات السنة. ويدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته، لأن الزمان إذا كان صيفا كانت نوائب الأمراض ذوات النوائب غبا؛ لأنها تكون في الأكثر صفراوية، وكانت الأمراض قصيرة لأن الجزء الهوائي إن وجد القوة قوية أعانها على تحليل مادة المرض، وإن وجدها ضعيفة أعان المرض على إسقاطها بالتحليل. وكذلك إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها، كانت الأمراض منتظمة، وإلا كانت غير منتظمة. الصنف الثالث: الأشياء المختصة بالأحوال الجزئية للأمراض، وذلك كتزيد الأدوار بعضها على بعض، ودلالة ذلك B على النظام ظاهر. وأما على المرتبة، فإن المرض الذي يتزيد أدواره سريعا يكون قصيرا، لأن سرعة اشتداد المرض تدل على حدته، والذي يتأخر فيه تزيد الأدوار يدل على بلادة حركته وطوله. واعلم أنه يريد هنا بالأدوار النوائب، لأن الذي يزيد أو ينقص هو النوبة، ويلزم ذلك زيادة الراحة وقصرها. ولكن مجموع النوبة والراحة الذي جرت العادة بتسميته بالدور لا يزيد ولا ينقص بل أي جزأيه زاد نقص الآخر. وأما دلالة ذلك على على النوائب فمحال لأن معرفة ذلك يتوقف على معرفة النوايب، فلو عرفنا النوائب منه لزم الدور؛ قوله: "نائبة كانت كل يوم" يدل على ما قلنا، أنه يريد بالأدوار النوائب، لأن الأدوار لا تقال أنها تنوب، فثبت أنه أراد النوائب. والنوبة إما أن تكون كل يوم، وذلك إذا كانت الحمى بلغمية خارجة العروق، وسماها نائبة، أو يوما ويوما لا وتسمى الغب الدائرة وذلك إذا كانت الحمى صفراوية، أو في أكثر A من ذلك من الزمان كالربع والخمس والسدس وغير ذلك. الصنف الرابع: الأشياء التي تظهر من بعد، وذلك كعلامات النضج؛ وذلك إما أن يدل على نضج مادة خاصة كالنفث الذي يظهر في أصحاب ذات الجنب، فإنه إن ظهر فيهم بدءا أي في الأيام الأول كان المرض قصيرا، لأن ظهوره يكون لنضج ما، والنضج إنما يكون عن استيلاء الطبيعة على المادة، وذلك يدل على سرعة إخراجها. وإن تأخر ظهوره كان المرض طويلا، لأن تأخر ظهوره دليل على تأخر الطبيعة في الانضاج فوجب أن يتأخر في الدفع. وأقول: إنه إذا طهر النفث في أول يوم، فليتوقع كمال النضج في الرابع والبحران في السابع. وإن ابتدأ ظهوره في الثالث أو في الرابع أو لم ينضج في الرابع، نضج في السابع، وبحرن في الحادي عشر أو الرابع عشر بحسب قرب النفث والنضج وبعدهما. وإن تأخر النفث عن ذلك، فربما تأخر B البحران إلى السابع عشر، بل إلى العشرين والرابع والعشرين، بل قد يتأخر إلى الرابع والثلاثين إذا تأخر النفث عن السابع. وهذا بيان دلالة هذا على المرتبة. وأما دلالته على النوبة فلأن النفث في ذات الجنب في الغالب يكون صفراويا، فيكون اشتداد الحمى غبا، والاشتداد يقوم مقام النوبة. وأما دلالته على النظام، فلأن النفث إن كان نضيجا وفعل الطبيعة فيه متشابها والمادة مفردة كان المرض منتظما، وإلا فقد يكون غير منتظم. وإنما اقتصر أبقراط على بيان دلالته على المرتبة، لأن دلالته عليها دائما وظاهرا، ولا كذلك دلالته على الآخرين. وأما إن كان يدل على نضج مادة غير مختصة بعضو، فخروج ذلك إما أن يكون من منافذ محسوسة أو غير محسوسة. والأول إما أن يكون دائما سيالا وهو كالبول، أو قد يكون متماسكا وهو كالبراز. والثاني كالعرق، وهذه ليست بأنفسها من الأشياء التي تظهر من بعد، بل ولا من A الأشياء الخاصة بالمرض، بل الذي يظهر من بعد ما يظهر فيها من علامات النضج؛ وهذا معنى قوله: "والبول والبراز والعرق إذا ظهرت بعد" أي إذا ظهر فيها علامات النضج بعد، وهذه العلامات الدالة فيها على النضج لا تدل على النوبة ولا على النظام، لأن ذلك قد يكون مع النظام ومع مقابله وفيما له نوبة وفيما لا نوبة له، لكنه يدلعلى مرتبة المرض. فإذا ظهر النضج في هذه سريعا كان المرض قصيرا، وإن ظهر بطيئا كان طويلا بما قلناه. لكن دلالة ذلك ليس دائما، فإنه إذا كان المرض من مادة غير المادة التي تخرج من أحد هذه الطرق، لم يدل النضج في هذه على نضج مادة المرض، فلم يدل سرعة ظهوره على قصر المرض ولا بطء ظهوره على طول المرض، وذلك كذات الجنب فإنه قد يكون البول في أولها نضيجا ولا يدل على قصرها؛ ولهذا قال أبقراط: "فقد تدلنا". وأما قوله على جودة البحران ورداءته فقد وقع B دخيلا، لأنه إنما ذكر في هذا الفصل ما يستدل به على الأشياء الثلاثة التي هى النوبة، والنظام، والمرتبة. وأما بيان أن ذلك قد يدل على جودة البحران ورداءته وليس دائما، فهو ظاهر مما قلناه.
[aphorism]
قال أبقراط: المشايخ أحمل الناس للصوم، ومن بعدهم الكهول، والفتيان أقل احتمالا له، وأقل الناس احتمالا للصوم الصبيان، ومن كان من الصبيان أقوى شهوة فهو أقل احتمالا له.
[commentary]
صفحه ۳۵