فقست نظرة عينيه الخضراوين، وقال بصوت أجش غليظ: ابنتك .. راضية .. هربت!
وشحب وجه أمي، وخجلت عيناها، وجعلت ترنو إلى جدي بنظرة مستنكرة لا تجد سبيلا إلى تصديق ما صك أذنيها، ثم غمغمت بصوت كالأنين: هربت! .. راضية! .. هذا محال!
فضرب جدي الأرض بقدمه حتى ارتجت أركان الحجرة وصاح بغضب: محال؟! بل هي الحقيقة الواقعة، هي الفضيحة العارية، هي الضربة القاصمة لكرامتنا!
ولم تحر أمي جوابا كأنما فقدت النطق، وتنفس جدي بشيء من الجهد، ثم قال وكأنه يخاطب نفسه: أي جنون سلبها الرشاد؟! .. ليس هذا الدم الفاسد بدمنا! هذا دم شيطاني يفضح سوء فعله الأصل القذر الذي استمد منه. لقد مات جدها وهو يصب لعناته على رأس أبيها فحلت اللعنة بذريته.
وازدردت أمي ريقها وتمتمت في ارتياع: أفظع بها من كارثة! كيف ضلت الفتاة؟! لقد أفسد السكير العربيد عليها حياتها، ما أتعسها!
فقال جدي باستياء وحنق: لا تنتحلي لها الأعذار .. لا شيء في الوجود يسوغ هذا الفعل الشائن!
فغمغمت أمي بصوت باك: لست أنتحل لها الأعذار؛ ولكنها تعيسة، ما في ذلك من شك!
وساد صمت محزن، ولبثا يتبادلان نظرات الغم والكدر والقنوط، وقد أصغيت إلى ما دار بينهما بانتباه شديد، فأدركت أهونه، وغابت عني خطورته الحقة، كان الأمر يتعلق بأخت لم تقع عليها عيناي. لماذا هربت؟ وأين اختفت؟ وتساءلت: لماذا لم تحضر إلينا؟
فصاح بي جدي حانقا: اخرس!
وارتمى على مقعد، واستطرد يقول: جاء عمها في النادي وأبلغني الخبر؛ قال إنه لا يعلم شيئا عن حقيقة الحال. وقد أبرق له مدحت للحضور فورا، فجاء بلا إبطاء، ثم أخبره الشاب باختفاء شقيقته. أما المجرم السكير فلم يزد على أن قال: «في داهية!» ثم ذهبنا معا إلى بعض أصدقاء العم من رجال المحافظة وأفضينا إليهم بالخبر الشائن سائلين معونتهم.
صفحه نامشخص