ثم قيل لنا :يا أهل العدل ، بم تشهدون ؟ فقمنا بين صفوفهم وقلنا :يا رب ،نشهد إن هؤلاء كذب عليك ونحلوا إليك ما أنت منه بريء واعتذروا للظالمين وجعلوا دعوة الرسل لغو وإنزال الكتب عبثا والآمر والنهي باطلا وإقامة الحدود تعنتا والسؤال والحساب والعقاب ظلما والثواب ميلا ، فنحن نشهد أنهم كذبه وشهود زور وننزهك عما لا يليق بك فنقول سبحانك عما وصفوك به وتعاليت عما نسبوه إليك ونشهد انك لعدل في ما فعلت وفطرت ،الحكيم فيما قضيت وقدرت ،الرحيم فلا عنت فيما أمرت ونهيت ،العليم فلا جور فيما قدمت وأخرت ،الصادق فيما أنبأت وأخبرت ،خلقت الخلق برحمتك وكلفتهم برأفتك لينالوا جنتك ، وأعطيت الآلة وأزحت العلة ومكنت بإعطاء القدرة وبعثت الرسل وأنزلت الكتب كل ذلك تعريضا لما أعددت لهم من ثوابك وتحذيرا من عقابك ، ولم ترد منهم إلا ما أمرت ولا كرهت إلا ما نهيت ولا قضيت إلا ما قدرت وإلا قدرت إلا ما أظهرت، فتركوا أمرك واتبعتوا شهواتهم وارتكبوا ما نهيت إيثارا لشهواتهم ولذاتهم وطغوا في بلادك وظلموا عبادك ،فمنهم من كفر ومنهم من جبر ومنهم من ترك العبودية .
ومنهم من ادعى الربوبية ،وفي كل ذلك أتوا من قبل أنفسهم وأنت من ذلك بريء حتى استوجبوا عذابك واستحقوا عقابك ، ثم أمهلتهم للتوبة وأعذرت إليهم للإنابة ففي كل ذلك الحجة لك عليهم ولا حجة لهم عليك وما أنت بظلام للعبيد ،بهذا كنا نشهد في الأولى كما شهدنا في العقبى ،فانظروا أينا خصماء الرحمن ،وقد قال الله تعالى :{ولا تكن للخائنين خصيما} {ولا تجادل عن اللذين يختانون أنفسهم}.
وقال معتزلي لمجبر :أليس الله يقول { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين}فأقراهم أولى بأنفسهم أم شهادتكم لهم ؟ فانقطع .
وقال عدلي لمجبر :أليس الله يقول:{ولا يرضى لعبادة الكفر}؟ فقال : دعنا عن هذا ، أرضاه وأحبه وأراده وخلقه وما أفسدنا غيره،فقال :كفرت حيث رددت آية من كتاب الله .
صفحه ۴۶