الباب الرابع في القضاء والقدر وذكر القدرية
لقد فكرت في مسألة القضاء والقدر فوجدت لي فيها مجالا وفي المقام مقالا , فألقيت إليكم أن الكفر وجميع المعاصي بقضاء الله وقدره , فقبلتم مني وجعلتم ذلك عمدة لكم وأحلتم كل قبيح يحدث في العالم على القضاء والقدر.
وأنكرت المعتزلة ذلك أشد الإنكار وقالوا: ما معنى قولكم كل شيء بقضائه ؟ إن أردتم (بخلقه) فمعاذ الله أن يكون الكفر بقضائه وخلقه , وإن أردتم (بأمره) فهو خلاف الإجماع لأنهم أجمعوا [على ] أنه لا يأمر بغير الطاعات , وان أردتم ( العلم والبيان ) فنحن نقول إنه يعلم جميع الأشياء قبل كونها لأنه عالم لذاته لا يخفى عنه خافية في الأرض ولا في السماء . وقالوا : ثبت في دين النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ أن الرضا بقضاء الله واجب , فلو كان الكفر بقضائه لوجب الرضا به , والرضا بالكفر كفر , وتلوا قوله تعالى : { ولا يرضى لعباده الكفر }. وقالوا : من قال إنه يرضى الكفر فقد خالف النص . وقاموا على رأس هذا الأمر , فأعياني أمرهم وبهتني شأنهم .
واجتمعت أنا وهم في مجلس فجرى ذكر القدرية وأنهم مجوس الأمة على ما وردت به السنة . فقالت المعتزلة : القدرية هم المجبرة لوجوه أربعة :
أحدها : أن هذا الاسم أخذ من القدر , وإنما يؤخذ من الإثبات لا من النفي كالموحدة والمشبهة والمجسمة , وقد اختلفنا في أن المعاصي بقدر الله أم لا , فقلتم بلى وقلنا لا , فأنتم بالاسم أولى منا .
وثانيها : أنكم لهجتم بذكر القدر في كل قضية وفي إضافة القبيح إليه , فنسبتم إليه كما يقال تمري ولبني .
وثالثها : روي أن النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ سئل عن القدرية من هم ؟ فقال : قوم يعملون المعاصي ثم يقولون إن الله قدرها عليهم .
صفحه ۴۰