وخطب بعض المعتزلة فقال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ : أيها الناس !لا أحد أقبح ثناء على رب العالمين من المجبرة حيث قالوا إن الله يأمر بما لم يرده وينهي عما أراد ويقضي بما نهى عنه ثم يعذب عليه , وأنه يخلق فعلا ثم يقول لم فعلتم ؟ ويغضب على ما خلق وقضى وأراد , ويأمر بشيء ويحول بينه وبين ما أمر به , ويقضي أمرا ثم يأمر القضاة والولاة والغزاة برد ما قضى وقدر وأراد وخلق , وأمر بحدود تقام على شيء , فأمر بجلد الزاني _ وخلق فيه الزنا _وقطع يد السارق _ , وجعل مال زيد رزقا لعمرو وخلق أخذه ثم قال لم أخذت؟ وعاقبه عليه , وأنه خلق الكفر وكره الأيمان وبعث الأنبياء دعاة إلى خلاف مراده وضد قضائه . فانظر إلى سوء ثنائهم على ربهم , وانظر إلى حسن ثناء أهل العدل عليه حيث قالوا : إنه حكيم أمر بما أراد ونهى عما كره , وقضى الإيمان ورضيه وأحبه وزينه , ونهى عن الكفر وكرهه وغضب عليه وسخطه , كما قال الله تعالى : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } , وأنه بعث أنبياءه بالحق ليدعوا إلى الحق الذي أراده , وأنزل الكتاب ليهتدي به , وهدى إلى الدين وما أضل أحدا من العالمين , وأنه يثيب من أطاعه ويعاقب من عصاه , فاحمدوا الله على هذا الدين وقولوا : الحمد لله رب العالمين .
وسأل عدلي مجبرا : هل تملك من أهلك ومالك شيئا؟ قال : لا . قال : فما تملكه منهم جعلته في يدي ؟ قال : نعم . قال : اشهدوا أن نساءه طوالق وعبيده أحرار وماله صدقة في المساكين . وكانت امرأته ممن تقول بالعدل , فتحولت عن منزله وسألت العلماء , فأفتوا بوقوع ذلك كله . وصار ضحكة وسخرة .
وسأل جماعة عمرو بن فائد _وهو معتزلي_ عن القدر , فقال : أقيموا ربكم مقام رجل صالح , حتى أنكم إن كان ما قيل حقا فلا تعاتبوه وإن كان باطلا فلا تتهموه . وأنشد:
صفحه ۲۷