فصل
فكرت وقلت : من أصول هذا الباب إثبات المكان , فألقيت إليهم أنه تعالى في مكان وأنه على العرش , فقبلتم أحسن قبول واعتقدتم ذلك وناظرتم فيه . غير هؤلاء المعتزلة فإنهم قالوا المكان يوجب التجسيم ,والجسم يكون محدثا .وقالوا : ما جاز أن يكون في مكان جاز أن يكون في غيره , وذلك يوجب جواز الحركة والسكون والزوال والانتقال . وقالوا : ما الفرق بين ملك على سريره وبين الرب على كرسيه على هذا المذهب ؟ وهل هذا إلا مناقض لقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } , وقوله تعالى :{ وهو أقرب إليكم من حبل الوريد } .
حضرت يوما مجلسا وفيه جماعة من مشايخنا ومن المعتزلة , فجرت مسألة العرش , فقال شيخ منا : إنه تعالى يقول {الرحمن على العرش استوى }ولفظة <على> تقتضي الفوق . فقام المعتزلي : فقل في قوله تعالى : {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم } أنهم فوقه . فانقطع .
وروى بعضهم أنه تعالى خلق آدم على صورته , فقال المعتزلي : فإذا يجب أن يكون مؤلفا مركبا محدثا كما كان آدم . قال : فما معنى الحديث ؟ قال : إن صح فالمراد ما قيل أن النبي _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ رأى رجلا فقال إن آدم كان على صورته , وقيل أراد أنه خلقه على ما كان عليه من غير انتقال من حال إلى حال . فقالوا : الصواب أن لا نمكن المعتزلة من حضور مجالسنا والكلام في أنديتنا فإنهم يشوشون علينا المذهب , فأخرجوه . فخرج وهو يقول :
فلو كنت الحديد لفلقوني ولكني أشد من الحديد
ولقد زادت مشايخنا من الكرامية , فقالوا إنه تحله الأعراض وتخلو منه كما في الأجسام سواء . وزادت الحنابلة فقالوا بالصعود والنزول . وأنكرت المعتزلة ذلك فقالوا : ليس له مكان ولا يجوز عليه الانتقال ولا تحله الأعراض , إذ لو جاز أن يحله الأعراض جاز أن يحله الجميع , وليس ما حله العرض إلا محدثا.
صفحه ۲۳