فصل
فكرت وقلت : ليس في إثبات التشبيه أمر أقوى من إثبات الرؤية, فألقيت إليهم أنه تعالى يرى , فوافقتموني فيه وقررتم عيني ورويتم فيه الأحاديث ووضعتم الأسانيد , ورويتم أن محمدا _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ رأى ربه ليلة المعراج وأنه قعد معه على عرشه , وتأولتم الآيات على ذلك .
وقامت المعتزلة في الرد علي وعليكم , وقالوا الرؤية توجب التجسيم والتجسيم يوجب الحدوث , واحتجوا بقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار } وبقوله : { لن تراني } ورووا عن عائشة أنها سئلت هل رأى محمد ربه ؟ فقالت : لقد قف شعري مما قلت ثلاثا ! من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ورسوله وقد قال الله تعالى : { لا تدركه الأبصار } ومن زعم أنه يعلم ما في غد وقد قال تعالى : { وما تدري نس ماذا تكسب غدا } ومن زعم أنه لم يبلغ شيئا وقد قال تعالى : { بلغ ما أنزل إليك من ربك } وعنها وقد سئلت عن ذلك فقالت : أنا أول من سأله عن ذلك فقال : رآه قلبي ولم تره عيناي . ثم زادت المشايخ , فقالت الحنابلة بالمجالسة والمصافحة , وقالت الكرامية بأنه يرى من فوق كما ترى السماء .
ولما قامت المعتزلة بالرد عليهم في ذلك وعلم شيخنا الأشعري أن ذلك لا يتم على النظر قال : يرى بلا جهة وكيف , فجعله من باب ما لا يعقل _تلبيسا وتدليسا_ وجرى ذلك في العامة . غير هؤلاء المعتزلة فإنهم قالوا زدت في الفساد , فإن القوم أثبتوا معقولا وأنت أثبت شيئا لا يعقل .
صفحه ۲۲