ولا يتم به المقصود من بقاء الشريعة، أنى وكل واحد من الصحابة محتاج إلى الآخر، كاحتياج الآخر إليه في محفوظاته، والبعيد من الأمة لا شك باحتياجهم إلى الأحكام أشد الاحتياج وقول أحاد الصحابة في حقهم لا يفيد ظنا فضلا عن العلم لظهور وجود الطعن في حقهم الذي صار به كالشبهة المحصورة فيهم، وعلى ما حررناه فالشريعة معطلة بين الصحابة حيث لم يكن عند كل واحد منهم جميع الأحكام، وعند غيرهم ممن بعد عنهم أو جاء بعدهم أشد تعطيلا. ولو سلمنا احتفاظ الشريعة من جهة وجود الصحابة في العصر الأول، فلا نسلمه قطعا في الأعصار اللاحقة، وبقاء الشريعة إلى أبد الآباد لا يمكن إن يكون مستندا إلى محفوظات الصحابة في العصر الأول، ولا يسع الخصم ادعاء ما هو ضروري البطلان وأوهن من بيت العنكبوت. لا يقال إن بقاء الشريعة مطلوب في جميع الأعصار على نسق طلبه في عصر النبي (ص)، ومعلوم إن ما كان في عصره (ص) هو بيان كليات المسائل، وهي التي تتحملها نوابه ورسله إلى النواحي، وأما الجزئيات فكانوا يجتهدون فيها، كما إن النبي (ص) بنفسه كان أيضا يجتهد في الجزئيات، وقد ورد عنه وتكرر منه في كثير من القضايا والمحاكمات إنه كان يشاور أصحابه، ودعوى إنه كان لا يعمل إلا بالوحي لا بالاجتهاد ولا المشورة حتى في الجزئيات كما تدعيه الإمامية لا يعترف بها الخصم، وهي عنده في غاية الضعف، فتلخص من هذا النظر إن حفظ الشريعة بما اتفق عليه الصحابة من الأحكام بانضمام اجتهادهم في الجزئيات، وانضمام اجتهاد الولاة والنواب فيها عن تلك الكليات المأخوذة من الصحابة في جميع الأطراف
صفحه ۱۷